بنيّ! أتدري بكم اشتريت أمّك؟ اشتريتها بثلاثمائة درهم ، وأبوك لا كثّر الله من مثله في النّاس ، أتمشي هذه المشية؟!) (١).
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) (١٨) ؛ الاختيال : هو التّبختر في المشي ، والفخور : هو المتطاول بذكر المناقب على السّامع والافتخار عليه ، وذلك مذموم لأن المستحقّ على نعم الله شكرا لا الفخر.
قوله تعالى : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ؛) أي تواضع (٢) ولا تتبختر ، وليكن مشيك قصدا لا تبخترا ولا إسراعا. قال صلىاللهعليهوسلم : [سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن](٣) يقال : قصد فلان في مشيته إذا مشى مستويا ، وقال مقاتل : (لا تختل في مشيتك) ، وقال عطاء : (قوله تعالى (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) أي امش بالوقار والسّكينة) كقوله تعالى : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً)(٤) ، والمعنى : اقصد في المشي ، لا تعجل ولا تمش بالهوينا.
قوله تعالى : (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ؛) أي اخفض صوتك ولا ترفعه على وجه انتهار النّاس وإظهار الاستخفاف بهم ، وقال عطاء : (معناه : اغضض من صوتك إذا دعوت وناجيت ربّك) ، وكذلك وصيّة الله تعالى في الإنجيل لعيسى عليهالسلام : مر عبادي يخفضوا أصواتهم إذا دعوني ، فإنّي أسمع وأعلم ما في قلوبهم.
قوله تعالى : (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (١٩) ؛ أي أقبح الأصوات صوت الحمير ؛ لأن أوّله زفير وآخره شهيق. قال ابن زيد : (لو كان في رفع الصّوت خيرا ما جعله الله للحمير) (٥) ، وعن أمّ سعد قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [إنّ
__________________
(١) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء : ج ٢ ص ٣٥٠.
(٢) عن مجاهد ، أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير الكبير : الأثر (١٧٥٤٩). والطبري في جامع البيان : الأثر (٢١٤٢٤).
(٣) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء : ج ١٠ ص ٢٩٠. ومن طريق أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد : ج ١ ص ٤٣٥ : ترجمة (٤٢٠) محمّد بن إبراهيم.
(٤) الفرقان / ٦٣.
(٥) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢١٤٣٣). وابن أبي حاتم في التفسير الكبير : الأثر (١٧٥٥٤).