ويحك! أما علمت أنّ القدر يحول دون البصر). وروي أنه قال : (إذا نزل القضاء والقدر ذهب اللّبّ وعمي البصر) (١).
وقال وهب : (كان سبب تفقّده له لإخلاله بالنّوبة (٢) ، كما يتعرّف الوالي عن رعيّته) (٣) ، ويقال : كانت الطير تظلّه من الشّمس ، كانت تقف في الهواء مصطفّة موصولة الأجنحة ومتقاربة ، فلما أخلى الهدهد بمكانه بان ذلك لوقوع الشّمس عليه ، فلذلك تعرّف عن حاله.
قوله تعالى : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً ؛) قال المفسّرون : تعذيبه إيّاه أن ينتف ريشه ثمّ يلقيه في الشّمس فلا يمنع من نملة ولا من شيء من هوامّ الأرض. ويقال : هو قصّ جناحه ، ويجوز أن يعاقب بأن لا يجري عليه القلم على وجه التأديب ، كما يؤدّب الأب ولده الصغير. وقيل : تعذيبه أن ينتف ريشه ويدعه ممعّطا (٤) في بيت النمل فيلدغوه. وقيل : معناه : لأشدّنّ رجليه وألقيه في الشّمس ، وقيل : لأطلبنّه بالقطر وأجعله في الشّمس. وقيل : لأفرّقنّ بينه وبين إلفه. وقيل : لأمنعنّه من خدمتي.
قوله تعالى : (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ ؛) أي لأقطعنّ حلقه ، (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) (٢١) ؛ أي بحجّة ظاهرة توجب عذره في غيبته ، وقصّته : أنّ سليمان عليهالسلام لمّا فرغ من بناء بيت المقدس عزم على الخروج إلى أرض الحرم ، فتجهّز للسير واستصحب من الجنّ والإنس والشّياطين والطّيور والوحوش ما بلغ معسكره مائة فرسخ ، وأمر الرّيح فحملتهم ، فلما وافى الحرم أقام به ما شاء الله أن يقيم ، وكان ينحر كلّ يوم مدّة إقامته خمسة آلاف ناقة ، ويذبح خمسة آلاف ثور ، وعشرون ألف شاة ، وأقام بمكّة حتى قضى نسكه.
__________________
(١) هذه الروايات أخرجها الطبري في جامع البيان : الأثار (٢٠٤٥٩ ـ ٢٠٤٦٠). وابن عطية في المحرر الوجيز : ص ١٤١٧. والبغوي في معالم التنزيل : ص ٩٥٦.
(٢) في المخطوط : (لإجلاله نبوته).
(٣) ذكره الطبري في جامع البيان : مج ١١ ج ١٩ ص ١٧٦ من غير إسناد.
(٤) في مختار الصحاح : ص ٦٢٨ : (معط): (رجل (أمعط) بيّن المعط ، وهو الّذي لا شعر في جسده ، و (امتعط) شعره و (تمعّط) أي تساقط من داء ونحوه).