وفائدة سؤال الرّسل وهم صادقون ؛ لتكذيب الذين كفروا بهم فيكون هذا السؤال احتجاجا على الكاذبين ، وإذا سئل الصّادقون ، فكيف يظنّ بالكاذبين؟! وقوله تعالى : (وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً) (٨) ؛ أي أعدّ للّذين كفروا بالرّسل عذابا شديدا.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ ؛) يذكّرهم الله إنعامه عليهم في دفع الأحزاب عنهم من غير قتال ، وذلك : أنّ الكفّار جاءوا بأجمعهم في وقعة الخندق ، وأحاطوا بالمدينة من أعلاها وأسفلها ، طليحة بن خويلد الأسدي (١) وأصحابه من فوق الوادي ، وكان أبو الأعور السّلميّ وأصحابه من أسفل الوادي ، وكان أبو سفيان وأصحابه ويهود بني قريظة في مواجهة المؤمنين (٢) ، فاشتدّ الخوف بالمؤمنين وزاغت أبصارهم ؛ أي مالت من الخوف ، ويقال : مالت أبصار المنافقين خوفا من النّظر إليهم. وكان الكفّار خمسة عشر ألفا ، وبلغت قلوب المسلمين الحناجر ؛ أي كادت تبلغ الحلوق ، وذلك أنّ شدّة الخوف ترفع الرّئة ، فترفع الرّئة القلب.
كما روي : أنّ المؤمنين قالوا : يا رسول الله! قد بلغت القلوب الحناجر ، فهل من شيء؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : [قولوا : اللهمّ استر عوراتنا وآمن روعاتنا ، يكفيكهم الله تعالى](٣) فأرسل الله على الكفّار ريحا باردة منكرة شغلتهم عن الاستعداد للحرب ، ومنعتهم من الثّبات على المكان ، وقلعت خيامهم وأكفأت أوانيهم ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم والمسلمون منها في سلامة ، وليس بينهم إلّا مسافة الخندق ، وكان ذلك إحدى معجزاته عليهالسلام كما قال صلىاللهعليهوسلم : [نصرت بالصّبا ، وأهلكت عاد بالدّبور](٤).
__________________
(١) في المخطوط : (الأزدي). ترجم له ابن عبد البر في الاستيعاب : ج ٢ ص ٣٢٤ : الرقم (١٣٠٠).
(٢) ذكره مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٣٧. والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٤ ص ١٤٤.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير الكبير : الحديث (١٧٥٩٩). والطبري في جامع البيان : الحديث (٢١٦١٤). وفي الدر المنثور : ج ٦ ص ٥٧٣ ؛ قال السيوطي : (أخرجه أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي سعيد ...) وذكره.
(٤) في الدر المنثور : ج ٦ ص ٥٧٣ ؛ قال السيوطي : (أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم في ـ