ويقال في معنى ذلك : (أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ) أي أقرب إلى أن يعرفن بالسّتر والصلاح ؛ فييئس منهن فسّاق الرّجال ، فلا يطمعون فيهن كطمعهم فيمن تتبرّج وتتكشّف.
قوله تعالى : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) ، أي لإن لم ينته المنافقون عن نفاقهم ، (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ، يعني الفجور وهم الزّناة وضعفاء الدّين عن أذى المؤمنين ، (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) ، وهم قوم كانوا يوقعون الأخبار بما يكره المؤمنون ، ويقولون : قد أتاكم العدوّ ، ويقولون لسراياهم : أنهم قتلوا وهزموا ، يخيفون المؤمنين بذلك. لئن لم ينتهوا عن هذه الأفعال القبيحة ، (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) ، أي لنسلطنّك عليهم ، ونأمرك بقتلهم حتى تقتلهم وتخلو منهم المدينة ، وهو قوله تعالى : (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً) (٦٠) ، أي في المدينة ، والمعنى : لا يساكنونك في المدينة إلا يسيرا حتى يهلكوا ، (مَلْعُونِينَ) ، مطرودين مبعدين عن الرّحمة ، (أَيْنَما ثُقِفُوا) ، أي أينما وجدوا وأدركوا.
قوله تعالى : (مَلْعُونِينَ) نصب على الحال ، وقيل : على الذمّ ، وتقدير النصب على الحال : لا يجاورونك إلا وهم ملعونون مطرودون مخذولون.
وقوله تعالى : (أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) (٦١) ، أي أخذوا وقتلوا مرّة بعد مرّة ؛ لأنه إذا ظهر أمر المنافقين كانوا بمنزلة الكفّار ، ومن حقّ الكفار أن يقتلوا حيث يوجدون. قال قتادة : (أراد المنافقون أن يظهروا ما في قلوبهم من النّفاق ، فلمّا وعدهم الله في هذه الآية فكتموه) (١).
قوله تعالى : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) ، أراد بالسّنة الطريقة التي أمر الله بلزومها واتباعها ، وقد كانت هذه السّنة في الأمم الماضية ، لمّا آذى المنافقون أنبياءهم ، أمر الله أنبياءه بقتالهم.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢١٨٧٢).