قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ؛) وذلك أنّ سليمان عليهالسلام كان يعتاد طول القيام في الصّلاة ، وكان إذا أعيا اتّكأ على عصاه ، فاتّكأ ذات يوم على عصاه ، فقبض الله روحه ، فبقي على تلك الحالة سنة ، والعملة في أعمالهم يعملون كما هم ولم يجترئ أحد أن يدنو منه هيبة له.
وقوله (ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) دابّة الأرض هي الأرضة التي تأكل الخشب ، وقوله تعالى (مِنْسَأَتَهُ) أي عصاه التي كان يتّكئ عليها.
وقوله تعالى : (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) (١٤) ؛ أي فلمّا سقط سليمان لتآكل المنسأة ، تبيّن الجنّ للإنس ؛ أي ظهروا أنّهم لا يعلمون الغيب ، فلو علموا ما عملوا له سنة وهو ميّت ، فذلك قوله تعالى : (ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) أي في العذاب من أعمالهم الشاقّة التي كانوا يعملونها في بناء بيت المقدس وغيره ، فلمّا علموا بموته لسقوط العصا تركوا الأعمال.
ثم أن الشياطين قالوا للأرضة : لو كنت تأكلين الطّعام لآتيناك بأطيب الطعام ، ولو كنت تشربين الشراب لآتيناك بأطيب الشراب ، ولكنّا سننقل إليك الطين والماء ، فهم ينقلون إليها ذلك حيث كانت ، فما رأيتموه من الطّين في جوف الخشب فهو مما ينقله الشياطين إليها شكرا لها!
وسميت العصا منسأة لأنه ينسأ بها الغنم وغيره ؛ أي يؤخّر ويطرد ، يقال : أنسأ الله في أجله ؛ أي أخّر الله في أجله. وأكثر القرّاء يقرأون (مِنْسَأَتَهُ) بالهمزة ، وقرأ أبو عمرو ونافع بترك الهمزة ، وهما لغتان.
وقوله تعالى (أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ) أي ظهر أمرهم. وقيل : في موضع النصب تقديره : علمت وأيقنت الجنّ (أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ) ، وكان الإنس قبل هذا يظنّون أن الشّياطين يعلمون السّرّ يكون بين اثنين ، فظهر لهم يومئذ أنّهم لا يعلمون ذلك.