قوله تعالى : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا ؛) أي جزيناهم ذلك التّبديل والتّخريب بكفرهم بنعم الله تعالى ، (وَهَلْ نُجازِي ؛) بمثل هذه العقوبة وتعجيل سلب النّعمة ، (إِلَّا الْكَفُورَ) (١٧) ؛ أي الكافر المعاند ، وقيل : معناه : إنّ المؤمن نكفّر عنه ذنوبه بطاعاته ، والكافر يجازى على كلّ سوء يعمله. وقال الفرّاء : (المؤمن يجزى ولا يجازى) (١) أي يجزى الثّواب بعمله ، ولا يكافؤ بسيّئاته.
قرأ أهل الكوفة : (نُجازِي) بالنّون وكسر الزّاي. ونصب (الْكَفُورَ) لقوله (جَزَيْناهُمْ) ولم يقل جوزوا ، وقرأ الآخرون (يجازي) بياء مضمومة ورفع (الكفور).
وقوله تعالى (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ) من قرأ بالنصب فهو اسم قبيلة ، فلهذا لم ينصرف ، ومن نوّنه وخفضه فهو اسم لرجل.
قوله تعالى : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً) أي جعلنا بين أهل سبأ وبين قرى الأرض التي باركنا فيها وهي الأرض المقدّسة باركنا فيها بالماء والشّجر ، يعني قرى الشّام ومصر ، وقوله (قُرىً ظاهِرَةً) أي قرى متقاربة متّصلة ، إذا خرج الرجل من واحدة من القرى ظهرت له الأخرى ، فكانوا لا يحتاجون في سيرهم إلى الشّام إلى زاد ، وكانت المرأة تخرج ومعها مغزلها ، وعلى رأسها مكتلها ، ثمّ تغزل ساعة فلا ترجع بيتها حتى يمتلئ مكتلها من الثّمار ، وكان ما بين الشّام وأرض سبأ على تلك الصفة.
قوله تعالى : (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ ؛) أي جعلنا القرى مواصلة بقدر السّير المتّصل على قدر المقيل والمبيت من قرية إلى قرية ، أنعمنا عليهم في مسيرهم كما أنعمنا عليهم في مساكنهم ، فقلنا لهم : (سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً ؛) إن شئتم باللّيالي وإن شئتم بالأيّام ، (آمِنِينَ) (١٨) ؛ من الظّلم والجوع والعطش وعن جميع ما يخاف في الطريق.
__________________
(١) قاله الفراء في معاني القرآن : ج ٣ ص ٣٥٩ بلفظ : (وأمّا المؤمن فإنّه يجزى ؛ لأنّه يزاد ويتفضّل عليه ولا يجازى).