مانعا للناس من الكفر والضّلال ، والكفّ على هذا هو المنع. وأدخلت الهاء هاهنا للمبالغة كالرّواية والعلامة ، (بَشِيراً) بالخير لمن أطاع الله ، (وَنَذِيراً) أي ومخوّفا بالنار لمن كفر بالله ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٢٨) ؛ يعني كفّار مكّة لا يتدبّرون القرآن ، فلو تدبّروا لعلموا.
قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ ؛) أي يقول الكفّار : متى هذا الوعد الذي تخوّفونا به من البعث والعذاب ، (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢٩) ؛ في مقالتكم ، (قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) (٣٠) ؛ أي قل لبعثكم وعذابكم ميقات يوم لا يؤخّر عن وقت الوعد ولا يقدّم وهو يوم القيامة.
قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ؛) أي قال الكفّار : لن نؤمن بصدق هذا القرآن ولا بالّذي بين يديه من أمر الآخرة ، والنشأة الثانية.
وقيل : معنى (وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) يعنون التّوراة والإنجيل ، وذلك : أنّه لمّا قال مؤمنوا أهل الكتاب : إنّ صفة محمّد صلىاللهعليهوسلم في كتابنا وهو نبيّ مبعوث ، كفر أهل مكّة بكتابهم.
وقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ؛) أي ولو ترى يا محمّد مشركي مكّة محبوسون في المحشر للحساب يوم القيامة ، يتجاوبون فيما بينهم يردّ بعضهم على بعض القول في الجدال ، ويحمل كلّ واحد منهم الذنب على صاحبه ، فيقول الأتباع لرؤسائهم : (لَوْ لا أَنْتُمْ ؛) ودعاؤكم إيّانا إلى الكفر ، (لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) (٣١) ؛ كغيرنا ، بل أنتم منعتمونا وصددتمونا عن الإيمان.
فأجابهم رؤساؤهم على وجه الإنكار : (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) (٣٢) باختياركم الكفر على الإيمان.