فقال الأتباع للرّؤساء : (وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً ؛) قال الأخفش : و (اللّيل والنّهار لا يمكران بأحد ، ولكن يمكر فيهما ، وهذا كقوله (مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ)(١) وهذا من سعة العربيّة) (٢).
والمعنى : بل مكركم بنا في الليل والنهار إذ تأمروننا ، وكذلك يقال : فلان نهار صائم وليله قائم ، وقال الشّاعر : (ما ليل المطي بنائم) (٣). ومثله قوله تعالى : (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ)(٤). وقيل : مكر اللّيل والنهار بهم طول السّلامة فيهما ، كقوله (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ)(٥).
قوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ ؛) أي أضمروها في أنفسهم ؛ لأن موضع النّدامة القلب. وقيل : أظهروها فيما بينهم ، أقبل بعضهم يلوم بعضا ، ويعرض بعضهم بعضا الندامة ، وهذا من ألفاظ الأضداد ، يقال : أسرّ إذا كتم ، وأسرّ إذا أظهر.
وقوله تعالى : (وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ؛) أي غلّت أيمانهم إلى أعناقهم ، (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٣٣) ؛ من الشّرك في الدّنيا.
قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها ؛) أي ما أرسلنا في أهل قرية من رسول إلّا قال رؤساؤها وأعيانها وأولو النّعمة فيها : (إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ ؛) من الإيمان والتّوحيد ، (كافِرُونَ (٣٤) وَقالُوا ؛) للرّسل :
__________________
(١) محمّد / ١٣.
(٢) قاله الأخفش في معاني القرآن : ج ٢ ص ٤٤٥ ، تحقيق د. فائز فارس.
(٣) في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٤ ص ٣٠٣ ؛ نقل القرطبي قال : وأنشد جرير :
لقد لمتنا يا أمّ غيلان في السّرى |
|
ونمت وما نوم المطى بنائم |
(٤) محمّد / ٢١.
(٥) الحديد / ١٦.