والجنون ، (وَما تُجْزَوْنَ ؛) في الآخرة ، (إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٣٩) ؛ في الدّنيا من الشّرك.
ثم استثنى فقال : (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) (٤٠) ؛ أي لكن عباد الله الموحّدين ، فإنّهم لا يعذبون ، (أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) (٤١) ؛ أي يجزون بالبرّ ما يستحقّون ، وقيل : لهم رزقهم فيها بكرة وعشيّا.
وقيل : الرزق المعلوم هو ما ذكره بعد هذا في قوله تعالى : (فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ) (٤٢) ؛ والفواكه جمع فاكهة ، وعلى الثّمار كلّها رطبها ويابسها ، وهم مكرمون بثواب الله تعالى على السّرر ، (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٤٣) عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) (٤٤) ؛ لا يرى بعضهم قفا بعض ، (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) (٤٥) ؛ أي بآنية مملوءة من الشّراب ، ولا تسمّى الآنية كأسا إلّا إذا كان فيها الشراب ، والمعين ههنا الخمر ، سمّيت معينا لأنّها تجري هناك على وجه الأرض من العيون كما يجري الماء فيها في غير الأخدود.
وقوله تعالى : (بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) (٤٦) ؛ قال الحسن : (خمر الجنّة أشدّ بياضا من اللّبن ، ليست هي على لون خمر الدّنيا ، ولكنّها بيضاء لرقّتها ونورها ورونقها وصفائها) (١). وقوله تعالى (لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) أي لذيذة أو ذات لذة ، يقال شرب لذ ولذيذ.
قوله تعالى : (لا فِيها غَوْلٌ ؛) أي ليس في شربها صداع ولا وجع بطن ولا أذى ، ولا تغتال عقولهم فتذهب بها. ويقال للوجع غول لأنه يؤدّي إلى الهلاك ، وقوله تعالى : (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) (٤٧) ؛ أي ولا هم يسكرون ، يقال : نزف الرجل فهو منزوف ونزيف إذا سكر ، وقال الكلبيّ : (يعني لا فيها غول أي إثم ، قال الله تعالى : (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ)(٢)) (٣). وقال ابن كيسان : (الغول المعصر).
__________________
(١) ذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ١٠٨٩.
(٢) الطور / ٢٣.
(٣) ذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ١٠٨٩.