وقال أهل المعاني : الغول فساد يلحق في خفاء ، يقال : اغتاله اغتيالا إذا فسد عليه أمر فسد في خفية. وقوله تعالى (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) ، قرأ حمزة والكسائيّ وخلف بكسر الزاي ههنا ، وفي الواقعة ، ومعناه : لا ينفذ شرابهم بل هو دائم لهم أبدا ، يقال : نزف الرجل إذا نفذ شرابه ، ومن قرأ بفتح الزاي فمعناه : لا يسكرون منها ، يقال : نزف الرجل فهو منزوف ونزيف ؛ إذا سكر وزال عقله (١).
قوله تعالى : (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) (٤٩) ؛ أي يعقد لهم مجلس الشّراب ، ويسقون هذه الكؤوس اللّذيذة ، وتحضرهم حور عين قاصرات الطّرف ، قصرت أطرافهن على أزواجهنّ لا يبتغين بهم بدلا ، لا ينظرون إلى غير أزواجهن ، والعين جمع العين وهنّ كبار الأعين وحسانها ، وقال الحسن : (اللّاتي بياض عينهنّ في غاية البياض ، وسوادها في غاية السّواد).
ومعنى الآية : وعندهم حابسات أعينهن الأعين غاضّات الجفون قصرن أعينهن عن غير أزواجهن ، فلا ينظرن إلّا إلى أزواجهنّ.
قوله تعالى : (عِينٌ) أي كبار الأعين حسانها ، واحدتها عيناء يقال : رجل أعين ، وامرأة عيناء ، ونساء عين. وقوله تعالى : (عِينٌ) وامرأة عيناء ونساء عين.
وقوله تعالى (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) أي مستور مصون ، والبيض محّ البيضة ، قال الحسن : (يشبهن بيض النّعام يكنّها الرّيش من الرّيح) (٢) وهذا من تشبيهات العرب في وصف النّساء بالبيض ، فشبّه الأبياض أبدانهن ببياض البيض المكنون ، ويقال : أراد بالبيض المكنون ههنا البياض الذي في داخل القشر الخارج.
قوله تعالى : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) (٥٠) ؛ أي يتحدّثون في الجنة عن أمور الدّنيا ، (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ ؛) في جواب ما يسأل عنه : (إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ) (٥١) ؛ أي كان لي صاحب في الدّنيا يقول لي حين صدّقت وهو منكر للبعث ، (يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) (٥٢) ؛ بالبعث ، (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا
__________________
(١) ينظر : إعراب القرآن للنحاس : ج ٣ ص ٢٨٤. والحجة للقراء السبعة : ج ٣ ص ٣١٥ ـ ٣١٦.
(٢) ذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ١٠٩٠.