(أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ، فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ ، فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ...) إلى قوله (بَيْضٌ مَكْنُونٌ).
وقوله تعالى : (أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) (٦٢) ؛ معناه : أذلك الفوز الذي سبق ذكره لأهل الجنّة خير مما يهيّأ من الإنزال أم نزل أهل النار؟ وقوله تعالى : (أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) لأهل النار في النار ، والزّقّوم : هو ما يكره تناوله ، والذي أراده الله شيء مرّ كريه تناوله ، وأهل النار يكرهون على تناوله ، فهم يتّزقّونه على أشدّ كراهة ، تقول : تزقّم هذا العظام ؛ أي تناوله على نكد ومشقّة شديدة.
قوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) (٦٣) ؛ روي سبب نزول هذه الآية : أنه لمّا نزل قوله تعالى : (أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) كانوا يقولون لا ندري ما الزقوم؟ فكانوا يتذاكرون هذا الحديث إذ جاءهم عبد الله بن الزبعرى السهمي فذكروا له ، فقال : أكثر الله في بيوتكم منها ، إن أهل اليمن يدعوا الزّبد والتمر الزقّوم ، فقال أبو جهل لجاريته : زقّمينا يا جارية ، فأتته بزبد وتمر ، فقال : تزقّموا فإنّ هذا الذي يخوّفكم به محمّد ، فشاع في أهل مكّة أن محمّدا يخوّف أصحابه بالزّبد والتمر ، فأنزل الله هذه الآية (إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ)(١) أي عذابا بالكافرين ، والفتنة : هي العذاب كما قال الله تعالى : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ، ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ)(٢) أي عذابكم فأنزل الله تعالى (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ، طَعامُ الْأَثِيمِ)(٣).
ويجوز أن يكون معنى الفتنة في هذه المحنة والبليّة كما قال الله تعالى : هذه الشجرة افتتن بها الظّلمة ، قالوا : كيف يكون في النار شجرة وهي تأكلها ؛ لأن النار تأكل الشجر ، فأنزل الله تعالى (إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) أي خبرة لهم افتتنوا بها وكذبوا بكونها (٤).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٢٢٥٣٧). وابن أبي حاتم في التفسير الكبير : ج ١٠ ص ٣٢١٦.
(٢) الذاريات / ١٣ ـ ١٤.
(٣) الدخان / ٤٣ ـ ٤٤.
(٤) في اللباب في علوم الكتاب : ج ١٦ ص ٣١٤ ؛ قال ابن عادل : (أو يكون المراد بالفتنة الامتحان ـ