فلمّا فرغ عتبة من كلامه قرأ عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم : بسم الله الرّحمن الرّحيم (حم ، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ، بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ...) إلى قوله (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ). فوثب عتبة فزعا مخافة أن يصبّ عليه العذاب الّذي خوّفه به النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فأتى قومه مذعورا وأقسم لا يكلّم محمّدا بعدها أبدا.
فقال له أبو جهل : لعلّك صبوت إلى محمّد ، وما ذاك إلّا من حاجة أصابتك ، وإن كان بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن محمّد! فغضب عتبة وقال : والله لقد كان أبي من أكثر قريش مالا ، ولكن أتيته وقصصت عليه القصّة فأجابني بشيء والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر ، والله ما اهتديت لجوابه. فقال حرث بن علقمة : والله لقد أفسد هذا الرّجل ديننا وفرّق بين كلمتنا ، وأيم الله لئن بقي هذا الرّجل ويقيم ليكوننّ بطن الأرض خير لكم من ظهرها ، وسيبين ذلك لكم إذا خرج منكم إلى غيركم ، فذروه ما ترككم (١).
ومعنى الآية : فإن أعرضوا عن الإيمان بك ولم يقبلوا قولك بعد هذا البيان ، فقل : خوّفتكم عذابا مثل عذاب قوم هود وقوم صالح. والصّاعقة : هو الهلاك على حالة هائلة.
وقوله تعالى : (إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) أي إذا جاءتهم الرسل إلى من كان قبلهم فعلموا بتواتر الأخبار ، ثم إنّهم الرسل أيضا من خلف من كان قبلهم بأن لا يعبدوا إلّا الله ، (قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ؛) أي لو شاء ربّنا أن ينزّل إلينا رسولا لأنزل ملائكة من جنده ، (فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) (١٤) ؛ ما أنتم إلّا بشر مثلنا. ويجوز أن يكون معنى (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) بأن الرّسل أتتهم من جميع جهاتهم.
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٧ ص ٣٠٨ ؛ قال السيوطي : (أخرجه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى والحاكم وصححه ، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل ، وابن عساكر عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما) وذكره. وأخرجه البغوي في معالم التنزيل : ص ١١٤٨. والنحاس في إعراب القرآن : ج ٤ ص ٣٩.