قوله تعالى : (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ؛) أي تعظّموا عن الإيمان بنبيهم وأعجبتهم أجسامهم ، (وَقالُوا ؛) لنبيّهم : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ؛) بالبدن فيهلكنا ، وذلك أنّ هودا عليهالسلام خوّفهم وهدّدهم بالعذاب ، فقالوا : نحن نقدر على دفعه بفضل قوّتنا ، وكانت لهم أجسام طويلة وخلق عظيم ، فلما أتتهم الريح قاموا ليصدّون عنهم فحملتهم إلى عنان السّماء ثم صرعتهم على وجوههم ثم ألقت عليهم الرّمل حتى غطّتهم ، وكان يسمع أنينهم تحت التّراب حتى أهلكهم الله.
فلمّا قالوا لنبيّهم : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) قال الله تعالى ردّا عليهم : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ؛) لأن الخالق للشّيء لا بدّ أن تكون له مزية على خلقه ، (وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) (١٥) ؛ أي يكفرون.
قوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً ؛) أي عاصفا شديد الصّوت ، مأخوذ من الصّرّة وهي الصيحة ، وقال ابن عبّاس : (يعني الباردة ، مأخوذ من الصّرّ وهو البرد). قال الفرّاء : (هي الباردة تحرق كما تحرق النّار) (١) وهي ريح باردة شديدة الهبوب ، ذات صوت تحرق كالنّار.
وقوله تعالى : (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ ؛) أي نكدات مشؤومات عليهم ، ذات نحوس ، قال ابن عبّاس : (كانوا يتشاءمون بتلك الأيّام). قرأ ابن عامر وأهل الكوفة (نَحِساتٍ) بكسر الحاء ، وقرأ الباقون بسكونها ، يقال : يوم نحس ونحس.
قوله تعالى : (لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ؛) أي عذاب الهون والذّلّ وهو العذاب الذي يخزون به ، والخزي والفضيحة والنّكال كلّه بمعنى واحد ، (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) (١٦) ، وعذاب الآخرة أبلغ في المذلّة وأبقى وأشدّ ، لا يدفع عنهم ولا يخفّف عنهم.
قوله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ؛) أي وأمّا ثمود فبيّنّا لهم سبيل الهدى ودعوناهم ودللناهم على الخير بإرسال الرّسل ، فاختاروا
__________________
(١) قاله الفراء في معاني القرآن : ج ٣ ص ١٣.