الكفر على الإيمان بعد أن أريناهم الأدلّة وأخرجنا لهم ناقة عشراء من صخرة ملساء ، (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ ؛) أي ذي الهوان ، (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١٧) ، بكفرهم وعقرهم الناقة ، (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا ؛) بصالح ، (وَكانُوا يَتَّقُونَ) (١٨) ؛ الشّرك والكبائر.
قوله تعالى : (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) (١٩) ؛ قرأ نافع ويعقوب (نحشر) بنون مفتوحة وضمّ الشّين ، ونصب (أعداء) ، وقرأ الباقون (يُحْشَرُ) بالياء المضمومة ورفع (أَعْداءُ). ومعنى الآية : وأنذرهم يوم يجمع أعداء الله ويساقون إلى النار بالعنف ، وقوله تعالى (فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي يحبس أوّلهم على آخرهم ليتلاحقوا ثم يقذفون في النار.
وقوله تعالى : (حَتَّى إِذا ما جاؤُها ؛) أي حتّى إذا جاءوا النار التي لم يقذفوا (١) ثم يقذفون في النار. قوله تعالى : حشر أعداء الله حبسوا عندها وهم يعاينونها ، ويقال لهم : أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ، فيجحدون ويقولون : والله ربنا ما كنا مشركين ، فعند ذلك يختم على أفواههم وتستنطق جوارحهم (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ ؛) وكلّ عضو من أعضائهم بما ارتكبوا من الكفر والمعاصي.
قوله تعالى : (وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢٠) ؛ قال ابن عبّاس : (يريد فروجهم ، كنّى عنها بالجلود) (٢). وقيل : الجلود الجوارح ، (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ) ، فيقول الكفّار لجلودهم بعد ما يردّ النطق إلى ألسنتهم : (لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا ؛) وعملتم على هلاكنا ، (قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ؛) وتمّ الكلام.
ثم قال الله تعالى : (وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢١) ؛ أي ليس إنطاقه الجلود أبدع من خلقه إيّاكم ابتداء وإعادة بعد الموت ، وليس هذا من كلام الجلود.
__________________
(١) في المخطوط : (حتى إذا جاءوا النار التي ثم يقذفون في النار).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٣٥٢٧) عن الحكم الثقفي ، و (٢٣٥٢٨) عن عبيد الله ابن أبي جعفر.