وقوله تعالى : (فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣٦) ؛ أي قالوا فأحيي يا محمد آباءنا الذين ماتوا حتى نسألهم : أحقّ ما تقول أم باطل؟ وروي أنّهم كانوا يقولون : إن كان ما تقوله فأت بقصيّ بن كلاب ليخبرنا عنك ، فإنه كان صدوقا فيما بيننا.
قوله تعالى : (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) (٣٧) ؛ خوّفهم الله تعالى مثل عذاب الأمم الخالية ، فقال : (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) أي ليسوا خيرا منهم ، يعني أقوى وأشدّ وأكثر ، والمعنى أهم خير في القدرة والقوّة والمال ، أم قوم ملك اليمن (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).
وخصّ ملك اليمن بالذّكر لأنه كان أقرب إلى زمانهم. وتبّع اسم لكلّ من كان من ملوك اليمن ، كما أنّ فرعون اسم ملك مصر ، وقيصر اسم ملك الروم ، وكسرى اسم ملك العجم. وإنما سمّي ملك اليمن بهذا الاسم لكثرة تبعه.
وجاء في التفسير : أنّ ملك اليمن الذي كان أقرب إلى زمانهم كان مؤمنا ، وكان اسمه أسعد بن ملكي كرب ، وكان قومه كفّارا. وروي عن عائشة أنّها قالت : (كان تبّع رجلا صالحا ، ألا ترى أنّ الله تعالى ذمّ قومه ولم يذمّه) (١). وروي : (أنّه وجد مكتوبا على قبرين بناحية حمير : هذان قبرا رضوى وحصيا ابني تبّع ماتا لا يشركان بالله شيئا) (٢).
قوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) (٣٨) ؛ أي لم نخلقهما عابثين ، (ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ ؛) أي للحقّ ؛ أي للثواب على
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٧ ص ٤١٥ ؛ عزاه للحاكم وقال : وصححه. وأخرجه الحاكم في المستدرك : كتاب التفسير : الحديث (٣٧٣٣) ، وقال : (هذا حديث على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه).
(٢) في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٦ ص ١٤٥ ؛ قال القرطبي : (وذكر الزجاج وابن أبي الدنيا والزمخشري وغيرهم : أنه حفر قبر له بصنعاء ـ ويقال : بناحية حمير ـ في الاسلام ، فوجد فيهما امرأتان صحيحتان ، وعند رؤوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب : (هذا قبر حبّى ولميس) ويروى أيضا : (حبّى وتماضر) ويروى أيضا : (هذا قبر رضوى وقبر حبّى ابنتا تبّع) ...). وذكره الزجاج في معاني القرآن : ج ٤ ص ٣٢٥. والزمخشري في الكشاف : ج ٤ ص ٢٧٢.