قوله تعالى : (قالَ ما خَطْبُكُما ؛) أي قال موسى لابنتي شعيب : (ما خَطْبُكُما) أي ما شأنكما لا تسقيان غنمكما مع الناس؟ (قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ ؛) قرأ الحسن وابن عامر وأبو عمرو بفتح الياء وضمّ الدال ، جعلوا الفعل للرّعاء ؛ أي حتى يرجع الرّعاء عن الماء ، وقرأ الباقون (يصدر) بضمّ الياء وضمّ الدال ؛ أي حتى يصدروا مواشيهم من وردهم ، فيخلوا لنا الموضع فنسقي أغنامنا فضل ما في الحوض. والرّعاء جمع راع (١).
قال ابن اسحق : (قالتا : نحن امرأتان لا نستطيع أن نزاحم الرّجال (وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) (٢٢) ؛ لا يقدر أن يسقي ماشيته من الكبر والضّعف ، وليس له أحد غيرنا ، فلذلك احتجنا ونحن نساء أن نسقي الغنم.
قوله تعالى : (فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ؛) فلما سمع موسى قولهما رحمهما ، فقام ليسقي لهما غنمهما ، فوجد بقربهما بئرا أخرى على رأسها صخرة عظيمة لا يطيق رفعها إلّا جماعة من الناس ، فاقتلعها وحده ثم أخذ الدّلو من القوم ، فأدلاها في البئر ، ونزعها وأفرغها في الحوض ، ثم دعا بالبركة فشرب الغنم حتى روي.
وقيل : إنه زاحم القوم على بئرهم وسقى لهما غنمهما ، فذلك قوله تعالى : (فَسَقى لَهُما) أي سقى لهما أغنامهما قبل الوقت الذي كانا يسقيان فيه ، ثم رجع من الشّمس إلى ظلّ شجرة فجلس تحتها من شدّة الحرّ ، وهو جائع ، (فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (٢٤) ؛ أي إنّي لمحتاج فقير إلى ما قدّرت لي من الطعام ، وكان خرج من مصر بغير زاد وكان لا يأكل في الأيام الثمانية إلّا الحشيش والشّجر إلى أن بلغ ماء مدين ، فلما أدركه الجوع الشديد ؛ وكان لا يقدر على شيء ؛ سأل الله أكله من الطعام.
__________________
(١) ينظر : الحجة للقراء السبعة : ج ٣ ص ٢٤٩ ـ ٢٥٠. ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج : ج ٤ ص ١٠٥.