* والقول الأول ـ فى معنى الخلافة ـ أقوى. وإن كان الثانى تؤيده الأدلة ، إلا أنها محتملة ، وليست قاطعة ، وآية الاستخلاف نفسها ليس فيها تصريح بهذا.
ثم إن هناك إعتبارات أخرى تقوى أن الاستخلاف معناه خلافة الله فى إقامة العدل بين الناس ، والامتثال لأوامر الله ، والانتهاء عما نهى الله ، فكل نبى من الأنبياء الذين أتوا بعد آدم ، كان خليفة الله فى أرضه ، وقد وضح ذلك فى قول الحق سبحانه لداوود ـ عليهالسلام:
(يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ)
[سورة ص : ٢٦]
فهو خليفة الله ، فى أرض الله ، ينفذ أحكام الله ، فى عباد الله ، الذين بعث إليهم من أجل تنفيذ تعاليم الله ، إذ البشر فى طبيعتهم لا يقومون بأمر الله ، إلا إذا كان هناك من يوضح لهم طريق الهدى ، للوصول إلى رب العالمين ، فهم رسل الله ، لهداية عباد الله ، حتى يتحقق المفهوم الذى من أجله كانت الخلافة ، ويتضح معناه.
وهكذا البشرية جمعاء ، جعلها الله بحيث يخلف بعضها بعضا لهذا الهدف.
وهذا هو المعنى ، الذى قرره ابن كثير ، حيث قال فى تفسير الآية :
(إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) أى قوما يخلف بعضهم بعضا ، قرنا بعد قرن ، وجيلا بعد جيل ، كما قال الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) [الأنعام : ١٦٥] ، وكما قال : (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) [النمل : ٦٢]