الفصل الخامس
خليل الرّحمن .. أبو الأنبياء .. وولده الذّبيح
يتفق أكثر العلماء والباحثين ، القدماء والمحدثين (١) على أن أساس الدين الفطرة ، وأساس الفطرة (التوحيد) وأن التوحيد قديم منذ الأزل ، وهو أساس كل دين ، وأن العرب من عدنان وقحطان ، كانوا قبل ظهور (عمرو بن لحىّ الخزاعى) فيهم ، على بصيرة من أمرهم ، يتعبدون بشريعة خليل الرحمن ، إبراهيم صلىاللهعليهوسلم «التوحيد» وقد تلقوها عن ولده نبى الله تعالى (إسماعيل) عليه الصلاة والسلام ، وهى الحنيفية.
كانت دعوة التوحيد التى نادى بها إبراهيم هى الفتح الجديد فى تاريخ العقيدة. فهو لم يبدأ عقيدة التوحيد ، ولم يبدأ عقيدة الفداء ، ولم يبدأ عقيدة البقاء ، ولكنه بدأ «بالدعوة النّبويّة» فاصطبغت العقائد بصبغتها ، حتى كأنها لم تسمع قط قبل ذلك فى عهود الكهانات والهياكل.
كان توحيد إبراهيم عليهالسلام ـ كما يقول العقاد (٢) : «إيمانا يعلو على ملوك الأرض ، ونجوم السماء ، ويتساوى عنده الخلق جميعا ، لأنه أعلى من كل
__________________
(١) الألوسى : بلوغ الأدب ٢ / ١٩٤ ، والدكتور محمد عبد الله دراز : الدين. طبع دار القلم ، وكارل بروكلمان : العرب والامبراطونية العربية ترجمة الدكتور نبيه فارس ط. بيروت ، ويرى فريق من علماء الغرب ـ أن التوحيد نشأ أولا عن طريق عقيدة الخالق الأكبر ، وأن الوثنيات ما هى إلا عوارض طارئة بجانب هذه العقيدة الخالدة وهذه هى نظرية (فطرية التوحيد) التى انتصر لها علماء الأجناس وعلماء الإنسان ومن أشهرهم الانج وبرو كلمان ـ الذى أثبت وجود عقيدة الإله الأعلى عند الساميين قبل الإسلام.
(٢) أبو الأنبياء ص ٣٠٩.