أى خرج قارون ذات يوم على قومه فى زينة عظيمة ، وتحمّل باهر فى مراكب وملابس عليه وعلى خدمه وحشمه ، فلما رآه الناس ، انقسموا إلى فريقين :
١ ـ فريق ينظر نظرة سطحية ، فتعميه الدنيا وزخارفها عن الوضع السليم ، والطريق المستقيم ، وهؤلاء من يريدون الحياة الدنيا ، ويميلون إلى زخارفها وزينتها ، تمنوا أن لو كان لهم مثل الذى أعطى قارون .. قالوا : (يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ ، إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) ـ أى ذو حظ وافر من الدنيا ، فتمنوا أن يكونوا مثل قارون فى غناه وأبهته ، ونسوا أن لله فى خلقه شئونا ، وأن السعادة والخير ليس فى المال الكثير ، والجاه العريض ، وإنما الخير والسعادة شىء وراء ذلك كله ، ما دام العبد موصولا برّبه ، راضيا مرضيا.
وهذه النقطة عالجها القرآن علاجا حاسما ، لأن الحق ـ تبارك اسمه ـ يعلم خطرها ، إذ من يمد عينيه إلى مال غيره ويتمناه ، يعود وقد امتلأ قلبه حسدا وحقدا ، وناهيك بهذه الأخطار التى ينشأ عنها معظم الجرائم ، اقرأ قول الله تعالى لنبيّه صلىاللهعليهوسلم : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ، وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى) [طه : ١٣١]
٢ ـ وفريق آخر ـ قد نوّر الله بصيرته ـ فهو ينظر الدنيا بعين العبرة والعظة ، عين الفاهم للحقائق التى لا تخدعه المظاهر الخلابة ، وهؤلاء هم أهل العلم النافع ، لذلك فهم لما سمعوا مقالتهم ، قالوا لهم : (وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) أى جزاء الله لعباده المؤمنين فى الدار الآخرة خير مما ترون ـ كما جاء فى حديث الصادق المصدوق ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقول الله تعالى : «أعددت لعبادى الصّالحين مالا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر» واقرأوا إن شئتم : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة : ١٧]