ثم انصرفوا ، فأقبل عيسى ومن معه ينظرونها ، فإذا هى مغطاة بمنديل ، فقال عيسى ـ عليهالسلام : من أجرؤنا على كشفه ، وأوثقنا بنفسه ، وأحسننا بلاء عند ربه ، حتى نراها ، ونحمد ربنا ـ سبحانه وتعالى ونأكل من رزقه الذى رزقنا؟.
فقالوا : يا روح الله وكلمته ، أنت أولى بذلك ، فقام واستأنف وضوءا جديدا ، ثم دخل مصلاه ، فصلى ركعات ، ثم بكى طويلا ، ودعا الله أن يأذن له فى الكشف عنها ، ويجعل له ولقومه فيها بركة ورزقا ، ثم انصرف وجلس حول السفرة ، وتناول المنديل ، وقال : «بسم الله خير الرازقين» ، وكشف عنها ، فإذا عليها سمكة ضخمة مشوية ، ليس عليها بواسير (أى قشر) ، وليس فى جوفها شوك ، يسيل السمن منها ، فقد نضد حولها بقول من كل صنف غير الكراث ، وعند رأسها خل ، وعند ذيلها ملح ، وحول البقول خمسة أرغفة ، على واحد منها زيتون ، وعلى الآخر تمرات ، وعلى الآخر خمس رمانات.
وفى رواية : «على واحد منها زيتون ، وعلى الثانى عسل ، وعلى الثالث سمن ، وعلى الرابع جبن ، وعلى الخامس قديد».
فقال شمعون ، رأس الحواريين ، لعيسى : يا روح الله وكلمته : أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الجنة؟
فقال عيسى : أما آن لكم أن تعتبروا بما ترون من الآيات ، وتنتهوا عن تنقير المسائل؟ ما أخوفنى عليكم أن تعاقبوا فى سبب نزول هذه الآية.
فقال شمعون : لا وإله إسرائيل ما أردت بهذا .. السؤال يا ابن الصدّيقة.
فقال عيسى : ليس شىء مما ترون من طعام الدنيا ، ولا من طعام الجنة ، إنما هو شىء ابتدعه الله فى الهواء بالقدرة الغالبة القاهرة.
فقالوا : يا روح الله وكلمته .. إنا نحب أن يرينا الله آية فى هذه الآية!