* إن الأمر الذى يجب أن نتنبّه له أن أصل قصة المائدة ثابت بالقرآن المتواتر ، الذى لا شك فيه ، وإنما موضع الشك ـ فى كل هذه التزايدات التى نفثها الإسرائيليون.
وقد ذكر المفسرون جميعا كل ما يدور حول هذه القصة ، وإن اختلفوا فى ذلك قلة وكثرة ، والعجب أن أحدا لم ينبه على أصل هذه المرويات الدخيلة ، والمنبع الذى نبعت منه ، حتى الإمامين ابن كثير السلفى ، والألوسى (١) ـ وإن كان ابن كثير قد أشار من طرف خفى إلى عدم صحة معظم ما روى ، كما شكك القرطبى فى هذه القصة الطويلة ، فقال : قلت فى هذا الحديث مقال ، ولا يصح من قبل إسناده. (٢)
ثم تأتى المحنة ، أو قل : الامتحان الرهيب ، الذى تعرض له عيسى ابن مريم ـ من فرط تقديم المعجزات إليهم لقد تجاوزوا حدود الإيمان برسالته ، وأخذوا يؤلهون عيسى المسيح نفسه.
وهل هناك محنة أشق على نفس نبى الله ، من تأليهه هو مع ربّه ، فى نفس الوقت الذى يدعو فيه إلى وحدانية الله؟
إنها محنة نفسية أشد وأقوى من إصرارهم على عبادة الأصنام وتأليهها ، لأن الداعى إلى الإيمان ـ فى هذه الحالة ـ يصبح بذاته سبيل كفرهم.
وقد صور القرآن العظيم هذا الامتحان النفسى ، فنجد أن الله ـ جل جلاله ـ يسأل عيسى ابن مريم هل هو الذى دعاهم إلى هذا الإشراك؟
__________________
(١) ابن كثير ٢ / ١١٦ ، وتفسير الألوسى ج ٧ ص ٦٢ ، ٦٥
(٢) تفسير القرطبى ج ٦ ص ٣٦٩ ـ ٣٧٢