(وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ؟ قالَ : سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ، إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ، تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ، وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) [المائدة : ١١٦ ، ١١٧]
هذا سؤال من الله عزوجل ـ لعيسى ابن مريم خاصة ، حتى يجيب ، فتكون إجابته توبيخا لمن ادعى غير إجابته ، ودليلا على أن قومه غيروا بعده وبدلوا ، وادعوا عليه كذبا وبهتانا لم يقله ، وإنكاره بعد سؤاله أشد فى التوبيخ ، وأبلغ فى التكذيب.
وإذ قال الله لعيسى ابن مريم ، أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى إلهين ، متجاوزين بذلك توحيد الله ، وإفراده بالعبادة والتقديس؟. فالله يسأل للإنكار والتوبيخ ، أقالوا هذا القول ، وافتروا هذه الفرية بأمر منك ، أم هو إفتراء وإختلاق من عند أنفسهم ، واتخاذ الآلهة من دون الله ، يكون بعبادتهم ، أو إشراكهم فى العبادة ، على معنى أن لهم تصريفا ، أو أنهم يقربون إلى الله زلفى ..
قال عيسى : سبحانك يا رب ، وتنزيها لك وتقديسا ، ما يكون لى ، ولا ينبغى لى أن أقول ما ليس بحق أصلا ، وكيف يصدر منى هذا وقد عصمتنى بروح من عندك ، إن كنت قلته فقد علمته ، فأنت تعلم الغيب والشهادة ، وتعلم سرى وضميرى ، وأنا لا أعلم شيئا مما استأثرت به من بحار علمك ، إنك أنت علام الغيوب.
لقد جاء هذا التوضيح القرآنى للحقيقة فى صورة هذا الحوار بين الله ورسوله عيسى ، بعد أن وضع بنو إسرائيل رسولهم فى المحنة ، وعرضّوه للإمتحان الرهيب أمام الله ، وأمام نفسه.