منهج الكتاب :
صنّف السجستاني كتابه على حروف المعجم ، فابتدع بذلك منهجا جديدا للتأليف في غريب القرآن لم يسبق إليه ، إذ كان الأئمة قبله يصنّفون كتبهم على ترتيب السور والآيات في المصحف الشريف. وقد شقّ السجستاني بمنهجه في هذا الكتاب الطريق أمام كل الذين ألّفوا كتبهم في غريب القرآن على هذا المنهج. وكان كتابه أول معجم لألفاظ القرآن الكريم في وقت مبكر بدأت تظهر فيه المعاجم اللغوية ، ونرى أن نستعرض حركة التأليف المعجمي عند المسلمين في القرون الثلاثة الأولى لنتبيّن قيمة عمل السجستاني.
يعتبر الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت ١٧٥ ه / ٧٩١ م) رائد التصنيف المعجمي ، وهو واضع كتاب «العين» أول معجم لغوي مرتّب على الحروف ، ثم تبعه أبو عمرو الشيباني (ت ٢٠٦ ه / ٨٢١ م) فوضع كتاب «الجيم» ، وابن دريد (ت ٣٢١ ه / ٩٣٣ م) فوضع «جمهرة اللغة» وتوالى التصنيف المعجمي بعد ذلك ، فوضع القالي (ت ٣٥٦ ه / ٩٦٦ م) كتابه «البارع» ، والأزهري (ت ٣٧٠ ه / ٩٨٠ م) كتابه «تهذيب اللغة» ، والصاحب بن عبّاد (ت ٣٨٥ ه / ٩٩٥ م) كتابه «المحيط» ، وابن فارس (ت ٣٩٥ ه / ١٠٠٤ م) كتابيه «مجمل اللغة» ومعجم مقاييس اللغة» ، والجوهري (ت ٣٩٨ ه / ١٠٠٧ م) كتاب «الصحاح» ... وهذه هي أولى المعاجم.
وقد واكب التصنيف في معاجم اللغة نوع آخر من التصنيف على حروف المعجم ، وهو التصنيف في معاجم الرجال فقد ظهر كتاب «التاريخ الكبير» و «الضعفاء الصغير» للبخاري (ت ٢٥٦ ه / ٨٦٩ م) في النصف الأول من القرن الثالث الهجري / العاشر الميلادي ، وتبعه ظهور كتاب «الضعفاء والمتروكين» للنسائي (ت ٣٠٣ ه / ٩١٥ م) و «الضعفاء الكبير» للعقيلي (ت ٣٢٢ ه / ٩٣٣ م) و «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم الرازي (ت ٣٢٧ ه / ٩٤٨ م) و «المجروحين» لابن حبان (ت ٣٥٤ ه / ٩٦٥ م) ...
وتنوّعت مناهج المؤلفين في هذه المعاجم ، فمنهم من رتّب كتابه على النظام العيني الذي ابتكره الخليل بن أحمد ، ومنهم من رتبه على النظام الألفبائي ـ المعروف حاليا ـ وقد مرّ النظام الألفبائي بمراحل كان يتطوّر خلالها حتى وصل إلى مراحله النهائية المعهودة اليوم ، ومنهم من رتّب كتابه على نظام التقفية. وسنعرض لمناهج التصنيف المعجمي المعروفة ، ونبيّن واضعيها ومناهجها ، ودور السجستاني فيها.