ونرى بوضوح تردّد أسماء أعلام مدرسة الكوفة في غريب السجستاني كالكسائي ، وثعلب ، والمبرّد ، ولكننا مع ذلك نرى أقوال أبي عبيدة البصري تحتل الحيّز الأكبر من الكتاب ، حتى إن بعضهم اعتبر غريب السجستاني مختصرا لمجاز القرآن (١) ، وهنا يظهر دور السجستاني في الترجيح بين أقوال المدرستين واختيار أفضل ما عندهما من تفسير غريب القرآن ليضعه في كتابه ، كما يظهر لنا أن انتمائه لمدرسة الكوفة لم يمنعه من الأخذ عن البصريين ، وأنه كان متجرّدا يتحرّى الصواب في كتابه ، وهذا مما رفع من قيمة الكتاب ، وجعله في مصافّ المصادر المختارة من مصادر غريب القرآن ، ومن أمثلة استشهاده بأقوال المدرستين قوله تعالى : (التوراة) [آل عمران : ٣] معناه الضياء والنور. وقال البصريون : أصلها وورية «فوعلة» من ورى الزند ووري ـ لغتان ـ إذا خرجت ناره ، ولكن الواو الأولى قلبت تاء ، كما قلبت في (تولج) [آل عمران : ٢٧] وأصله وولج من ولج أي دخل ، والياء قلبت ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها. وقال الكوفيون : توراة أصلها تورية على «تفعلة» إلا أن الياء قلبت ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها.
مصادر السجستاني في غريب القرآن :
اعتمد السجستاني في تأليف كتابه على مصادر غريب القرآن التي كانت قبله ، وعلى مصادر أخرى في التفسير والقراءات وإعراب القرآن ، واللغة ، كما نقل وحدّث عن زملائه ومعاصريه ، كأبي عمرو الزاهد ، وابن خالويه وكان يعرض ما كتبه على شيخه ابن الأنباري فيحرره له وينقحه ، واستمر في هذا المنهج خمسة عشر عاما حتى فرغ من تأليف كتابه.
ولم يصرح السجستاني في مقدمته ، ولا في داخل كتابه بأيّ من أسماء المصادر التي استقى منها معلوماته ، لكننا نجد فيه أسماء أعلام الصحابة والتابعين ، وأئمة التفسير والغريب ، والقراءات ، واللغة ، والإعراب ، والمتتبّع للكتاب يلمح بوضوح اعتماد السجستاني على المصادر التالية :
١ ـ غريب القرآن : لعلي بن حمزة الكسائي (ت ١٨٩ ه / ٨٠٤ م) إمام النحو في
__________________
(١) سيزكين ، تاريخ التراث العربي ١ / ٧٣.