المبحث الثاني
عنايته بعلوم اللغة
المطلب الأول
عنايته باللغة
يعدّ الاهتمام بمعاني المفردات ، وتحقيق الألفاظ القرآنية من أول ما ينبغي أن يشتغل به المقبل على كتاب الله تعالى ، فقد نص الراغب الأصبهاني في مستهل كتابه «معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم (١)» على «أن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية ، ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة ، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المعاونين لمن يريد أن يدرك معانيه ، كتحصيل اللبن في كونه من أول المعاون في بناء ما يريد أن يبنيه ، وليس ذلك نافعا في علم القرآن فقط ، بل هو نافع في كل علم من علوم الشرع ، فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته ، وواسطته وكرائمه ، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم»
ويشكل البيان اللغوي لألفاظ القرآن الرافد الأول المؤدي إلى فهم معاني القرآن الكريم واستيعابه ، ولذلك قال الإمام مالك فيما روي عنه : «لا أوتى برجل يفسر كتاب الله غير عالم بالعربية إلا جعلته نكالا». (٢)
ولقد اهتم المؤلف رحمهالله تعالى بمفردات القرآن الكريم أيّما اهتمام ، وهذا واضح بيّن من خلال تفسيره لمعاني الكلمات القرآنية الشريفة التي تحتاج إلى بيان وتوضيح ، وذلك ليكون القارئ لكتاب الله تعالى على علم بأصول كلام العرب الذي به نزل القرآن ، وليكون أقدر على فهم النصوص التي تتألف من مثل هذه المفردات.
وقد كان أسلوبه في توضيح ذلك على الشكل الآتي :
١ ـ بيان معنى المفردة القرآنية بالاعتماد على آية أو حديث نبوي شريف.
٢ ـ بيان معنى الآية القرآنية بالاعتماد على الشعر.
٣ ـ يوضح معنى الكلمة بالاشتقاق.
وقد عقدت مبحثا خاصّا لكل من الأنواع السابقة ، فلا حاجة للتكرار.
٤ ـ ينقل أقوال المفسرين واللغويين الذين سبقوه ، كالفراء وأبي عبيد وأبي عبيدة وغيرهم ممن سبقوا المؤلف في التأليف في معاني ألفاظ القرآن الكريم ، مما جعل المفسر يعتمد عليهم
__________________
(١) ٢٦.
(٢) شعب الإيمان ٢ / ٤٢٥ ، والإتقان ٢ / ٤٧٤.