وبين المسلمين ، فأبوا أن ينصروه ، ونقضوا العهد ، وشتموا الرّسول والمرسل ، وأظهروا حقدهم وتعصّبهم لبني النّضير الذين كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أجلاهم إلى الشّام قبل ذلك بسنتين ، فلما نزل المشركون بساحتهم استنصرهم حييّ بن أخطب ، وكان من بني النّضير ، فامتنعوا منه (١) بعض الامتناع ، ثمّ أجابوه ، وضمنوا إعانته على شريطة أن يدخل معهم الحصن ، إن كانت الدائرة (٢) عليهم ، ثمّ تخلّفت اليهود عن المشركين لمكان السبت ، وغضب أبو سفيان بن حرب ، فلم ينتظرهم ، فهزم الله الأحزاب بما (٣) ذكرنا. (٤)
ودخل حييّ بن أخطب الحصن مع بني قريظة ، (٥) ورجع رسول الله إلى المدينة فجعل يغسل رأسه ممّا لقي يوم الخندق ، فقالت عائشة يا رسول الله : إنّي لأرى دحية الكلبيّ عند المنبر ، فنظر عليهالسلام فإذا هو جبريل يمسح الغبار عن وجهه ، فقال له (٦) جبريل : والله ، يا محمد ، ما وضع أهل السماء أسلحتهم ، وقد وضعتم أسلحتكم ، اخرج إلى بني قريظة ، فقال النّبيّ عليهالسلام : كيف أصنع بهم وهم في حصنهم؟ قال : اخرج إليهم ، والله لأدقّنّهم بالخيل والرّجال كما تدقّ البيضة على الصّفا ، ولأخرجنّهم من حصنهم ، فنادى رسول الله في النّاس يأمرهم بالخروج إلى بني قريظة ، وخرج هو بنفسه ، على مقدمته عليّ بن أبي طالب ، وعلى الميمنة زيد بن حارثة ، وعلى الميسرة ثابت بن أثرم الأنصاريّ ، واستخلف على المدينة أبارهم كلثوم بن الحصين (٢٦٣ ظ) الغفاريّ ، فما انتهى إليهم استنزلهم ، فقال : انزلوا على حكم الله ورسوله يا إخوة القردة ، فنزل أسد وأسيد وثعلبة بنو شعبة بن عمرو مسلمين مؤمنين ، وامتنع الباقون عن النّزول ، فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا لبابة بن عبد المنذر ، وقال : قل لحلفائك (٧) ينزلون على حكم الله ورسوله ، فأشار إليهم أبو لبابة ووضع يده على حلقه ينذرهم بالذّبح إن نزلوا ، وقالوا : لا ننزل ، فقال رسول الله : يا أبا لبابة ، خنت الله ورسوله ، قال : نعم يا رسول الله ، وندم على صنيعه ، فارتبط على سارية من سواري المسجد بضع عشرة ليلة حتى نزلت توبته ، فلبثوا خمسا (٨) وعشرين ليلة ، ثم استنزلهم على حكم سعد بن معاذ ، فنزلوا ، وكان سعد بن معاذ حكما ، فحكم بقتل مقاتلتهم ، وسبي ذراريهم ونسائهم ، وقسّموا أموالهم ، وقتل سراتهم ، وكانوا
__________________
(١) ع : عنه ، وفي أ : وامتنعو منه.
(٢) ع : الديرة.
(٣) ع : كما.
(٤) ينظر : الآية ٩ من السورة نفسها.
(٥) ينظر : سيرة ابن هشام ٣ / ١٧٤ ، والطبقات الكبرى ٢ / ٦٧ ، وتفسير القرطبي ١٤ / ١٣٢.
(٦) ساقطة من ع.
(٧) أ : لحفائك.
(٨) الأصل وك : خمس ، وهذا من ع.