وعن ابن عباس قال : ألقى الله في قلب أمّ شريك بنت جابر الإسلام ، فأسلمت وهي بمكّة ، وهي إحدى نساء قريش ، ثمّ إحدى بني عامر بن لؤيّ ، وكانت تحت أبي الغلواء (١) الدّوسيّ ، فأسلمت وجعلت تدخل على نساء قريش سرّا تدعوهنّ ، وترغبهنّ في الإسلام حتى ظهر أمرها لأهل مكّة ، فأخذوها فقالوا : لو لا قومك لفعلنا بك ، ولفعلنا ، لكن سنؤدّك إليهم ، قالت (٢) : فحملوني على بعير ليس تحتي شيء من (٣) وطاء ولا غيره ، ثمّ تركوني ثلاثا لا يطعمونني ولا يسقونني ، قالت : فما أتت عليّ ثلاث صرما (٤) في الأرض شيء أسمعه ، قالت : فنزلوا ، وكانوا إذا نزلوا منزلا أوثقوني في الشّمس ، ثمّ استظلوا ، فهم فيها حتى يرتحلوا ، قالت : فبيناهم قد نزلوا منزلا ، وأوثقوني في الشّمس إذ أتي ببرد على صدري فتناولته ، فإذا هو دلو من ماء ، فشربت منه قليلا ، قال : فصنع بي ذلك مرارا ، ثمّ تركت فشربت منه حتى رويت ، ثمّ أفضت سائره على جسدي وثيابي ، فإذا استيقظوا إذا هم بأثر الماء ، ورأوني حسنة الهيئة ، فقالوا لي : أتحلّلت فأخذت سقانا فشربت منه حتى رويت؟ قلت : ما فعلت ، ولكنّه من الأمر كذا وكذا ، قالوا : إن كنت صادقة فدينك خير من ديننا ، فلمّا نظروا إلى أسقيتهم وجدوها كما تركوها ، فأسلموا عند ذلك ، قال : فأقبلت إلى النّبيّ عليهالسلام ووهبت نفسها للنّبيّ عليهالسلام بغير مهر ، فقبلها ، ودخل بها فرآها قد علتها كبرة فطلّقها. (٥)
وفي وقوله : (إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها) دليل على أنّ لفظة الهبة من ألفاظ النّكاح. (٦)
٥١ ـ والظاهر من قوله : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) : إرجاء الواهبات أنفسهنّ ليبقين موقوفات غير مقبولات ولا مردودات ، وذكر الخردادنهى (٧) في تاريخه : أنّ النّبيّ عليهالسلام أرجى سودة وصفيّة وجويريّة وأمّ حبيبة وميمونة ، وآوى عائشة وحفصة وزينب بنت جحش وأمّ سلمة. (٨)
فالإرجاء على هذا القول الإخراج من القسمة والنّوبة من غير طلاق ، فإن كان كذلك لم
__________________
(١) كتب التخريج : أبي العسكر.
(٢) الأصول المخطوطة : قال.
(٣) ساقطة من ع.
(٤) بياض في ع.
(٥) ينظر : حلية الأولياء ٢ / ٦٧ ، وصفة الصفوة ٢ / ٥٤ ، والمنتظم ٥ / ٢٣٧ ، من غير قوله : فطلقها.
(٦) وهذا رأي السادة الحنفية رحمهمالله تعالى ، ورواية عن الإمام مالك رحمهالله تعالى ، أما الإمام الشافعي رحمهالله فلم يجز ذلك ، واعتبر أن النكاح غير منعقد بهذا اللفظ. ينظر : شرح فتح القدير ٣ / ١٩٣ ، وشرح ابن عابدين ٣ / ١٩ ، ومواهب الجليل ٣ / ٤٢١ ، ومنح الجليل ٣ / ٢٦٨ ، ومغني المحتاج ٣ / ١٤٠.
(٧) ع : الحدادي.
(٨) ينظر : تفسير الصنعاني ٣ / ١١٨ ، وتفسير الطبري ١٠ / ٣١٣ ، والدر المنثور ٦ / ٥٦٠ ، عن أبي رزين.