التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥] نجد أن بعض الجهلة يستشهد بهذه الآية الكريمة في معرض الدفاع عن النفس حين يجبنوا ويتخاذلوا في الدفاع عن الدين والأرض والعرض ، فيأتي سبب النزول لهذه الآية الكريمة موضحا ومفسرا لهذه الآية الكريمة يوضح معناها ، ويزيل الغشاوة عن عيون أولئك ، فقد جاء في الحديث الذي يخرجه الترمذي في سننه (٢٩٧٢) عن أسلم بن أبي عمران قال : كنا بمدينة الروم ، فأخرجوا إلينا صفّا عظيما من الروم ، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر ، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر ، وعلى الجماعة فضالة بن عبيد ، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم ، فصاح الناس ، وقالوا : سبحان الله ، يلقي بيده إلى التهلكة ، فقام أبو أيوب فقال : يا أيها الناس ، إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل ، وإنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لّما أعز الله الإسلام ، وكثير ناصروه ، فقال بعضنا لبعض سرّا دون رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن أموالنا ضاعت ، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه ، فلو أقمنا في أموالنا ، فأصلحنا ما ضاع منها. فانزل الله على نبيه صلىاللهعليهوسلم يردّ علينا ما قلنا (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥] ، فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها ، وتركنا الغزو ، فما زال أبو أيوب شاخصا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم. وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب.
ولكن عند ما يدرس موضوع أسباب النزول في كثير من الكتب ـ سواء المختصة بها أو كتب التفسير ـ نجد فيها الصحيح الذي يعتمد عليه ، ونجد فيها الضعيف والواهي ، بل نجد فيها الموضوع المختلق ، وهذه آفة من آفات كتب التفسير والتاريخ وغيرها ، هذا من جهة أما الجهة الأخرى لأسباب النزول فإنها تلقي ضوءا على الحياة والبيئة التي نزل فيها القرآن الكريم ، وجاء بها الوحي ، ليصحح المعوج منها ، ويرسم معالم صورة واضحة للحياة التي يريدها الإسلام للناس ، كما تساعد على فهم صور الصراع بين الدعوة الإسلامية وأعدائها ، إلى آخر ما يمكن الاستفادة منه في أسباب النزول. (٢٩٧٣)
أهمية معرفة سبب النزول :
إن إدراج علم أسباب النزول في علوم القرآن نابع من أهمية معرفة المفسر له ، فتكون معرفته من جملة المعارف التي تكون آلة المفسر ، وقد أفرده بعض العلماء في كتب مستقلة دلالة على أهميته.
يقول الإمام الشاطبي رحمهالله في الموافقات (٢٩٧٤) : «معرفة أسباب النزول لازمة لمن أراد علم القرآن ، والدليل على ذلك أمران :
__________________
(٢٩٧٢) (٢٩٧٢).
(٢٩٧٣) ينظر : أسباب نزول القرآن الكريم دراسة وتحليل ٦ ـ ٧.
(٢٩٧٤) ٤ / ١٤٦.