المبحث الرابع
متفرقات
المطلب الأول
الناسخ والمنسوخ
إن معرفة الناسخ والمنسوخ في القرآن العظيم له أهمية كبيرة ، تنبع من أهمية التشريع الآتية من هذا الكتاب الكريم المعجز ، واهتم العلماء بهذا النوع من أنواع علوم القرآن ، وتوسعوا فيه ، وأهميته يمكن إيجازها بما يأتي :
١ ـ أنه يكشف النقاب عن سير التشريع الإسلامي ، ويطلع الإنسان على حكمة الله تعالى في تربيته للخلق ، وسياسته للبشر ، وابتلائه لهم.
٢ ـ أنه ركن عظيم في فهم الإسلام ، وفي الاهتداء إلى صحيح الأحكام ، خصوصا إذا ما وجدت أدلة متعارضة لا يندفع التناقض بينها إلا بمعرفة سابقها من لاحقها ، وناسخها من منسوخها.
٣ ـ أنه تناول مسائل دقيقة ، كانت مثارا لخلاف الباحثين الأصوليين. (١)
والمؤلف رحمة الله عليه منطلقا من أهمية هذا العلم ، تكلم عن النسخ بشكل موسع نوعا ما ، وذلك عند حديثه عن قول الله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦)) [البقرة : ١٠٦]. (٢)
تعريف النسخ عنده :
«في اللغة : هو الإزالة والإزاحة ، آخذا ذلك من قول القائل : نسخت الشمس الظل ، والريح الأثر» (٣) ، لكنه لم يبين كما بين غيره ممن تحدث عن النسخ بأن كلا من هاتين الجملتين تدل على معنى خاص :
فالجملة الأولى : نسخت الشمس الظل ، إذا أزالته وحلت محله ، أي : أن النسخ هنا يكون ببدل ، بمعنى أن الشمس أزالت الظل فأذهبته ، وحلّت محله.
أما الجملة الثانية : نسخت الريح الأثر : فهي بمعنى أن الريح أزالت الأثر ، بيد أنها لم تحل محله ، بل زالا جميعا ، فهو نسخ إلى غير بدل. (٤)
__________________
(١) ينظر : مناهل العرفان ٢ / ١٢٥.
(٢) ينظر : الأصل (٢٦ ظ).
(٣) الأصل (٢٦ ظ).
(٤) ينظر : الناسخ والنسوخ للنحاس ٥٧ ، والناسخ والمنسوخ لابن حزم ٦ ـ ٧.