ويتم قوله في المعنى اللغوي : «وتسمى كتابة ما هو في كتاب سابق نسخا مجازا ، وكذلك تسمى نقلا ، وحقيقة النقل ما يكون به فراع محلّ لشغل محلّ» (١).
وعرّف النسخ أنه : «إزالة ما سبق في كونه صلاحا في وقت دون وقت بما سبق في كونه صلاح في الوقت الأول صلاحا في الوقت الثاني» (٢).
فهذا التعريف جاء به المؤلف في معرض رده على اليهود والإمامية ، ليفرق بين النسخ والبداء ، فركز في تعريفه على أن علم الله تعالى عام في الحكم الأول الذي جاء النسخ عليه يعلم أنه ينتهي في هذا الوقت ، وأنه صالح لهذا الوقت الذي حدده الله تعالى ، وليس صالحا لأن يستمر ، وإنما يستمر مدة من الزمن ، ينتهي عند موعد نزول الحكم الآخر الذي يبدأ من هذا الوقت الذي انتهى عنده الحكم الأول ، وأن الحكم الثاني صالح لهذا الوقت ، وكذلك صالح للاستمرارية ، فهو في علمنا ، نحن البشر ، أنه استجد حكم بعد حكم وبدا لنا فيه أمر ، أما في علم الله تعالى فهو معلوم في الأزل.
وعرف البداء بأنه فيعرفه ليبين أنه غير النسخ ، فالبداء : «هو الاستدراك عند اتّضاح الملتبس. تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا». (٣)
فالبداء هو عند ما يتضح عند صاحبه أمر شيء جديد ليس في معلومه ، فإنه يبدل ويحول فيما كان يريد أن يقوم به ، بسبب ما اتضح واستجد لديه من أمور كانت خافية عليه من قبل. وهذا لا ينطلق على علم الله تعالى ، فالله تعالى عالم علما كاملا بكل شيء ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون.
وقد أثبت النسخ من الناحية العقلية والنقلية :
أولا ـ الناحية النقلية : أثبت النسخ بأدلة من القرآن الكريم ، هي (٤) :
١ ـ قول الله تعالى : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف : ٥٤] ، ووجه الاستدلال «نسخ الخلق بالخلق لا يؤدّي إلى البداء فكذلك نسخ الأمر بالأمر».
٢ ـ قول الله تعالى : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) [النحل : ١٠١].
٣ ـ قول الله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (٣٩)) [الرعد : ٣٩].
وكلتا الآيتين استشهد بهما في معرض رده على اليهود والإمامية.
لكنه لم يذكر أدلّة في جواز النسخ من السنة النبوية المطهرة.
إلا أنه ذكر أمثلة من الأمم السابقة على جواز النسخ ، ومن هذه الأمثلة :
١ ـ تزويج آدم أولاد صلبه بعضهم من بعض.
__________________
(١) ينظر : الفصول في الأصول ٢ / ١٩٦ ، وأصول السرخسي ٢ / ٥٣.
(٢) الأصل (٢٦ ظ).
(٣) الأصل (٢٦ و).
(٤) ينظر : الأصل (٢٦ و).