شَدِيدُ الْعِقابِ) [١٩٦] إن خالفتم أمره تعالى ونهيه.
(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (١٩٧))
قوله (الْحَجُّ) أي وقت الحج ، مبتدأ ، خبره (أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) وهي شوال وذو القعدة وتسع من ذي الحجة إلى طلوع الفجر عند الشافعي وهما وعشر من ذي الحجة عند أبي حنيفة ، وقال مالك : جميع ذي الحجة مع الشهرين (١) ، فمن قال تسع أراد الأيام ، ومن قال عشر أراد الليالي ، وفائدة تعيين الحج بهذه الأشهر أن يعلم أن شيئا من أفعال الحج لا يصح إلا فيها ، والإحرم بالحج لا ينعقد أيضا عند الشافعي في غيرها وعند أبي حنيفة يجوز ويكره ، وإنما جمع الأشهر على القولين لإرادة الأوقات أو لأن أقل الجمع اثنان أو أخذ بعض الشهر بمنزلة كله (فَمَنْ فَرَضَ) أي أوجب على نفسه (فِيهِنَّ الْحَجَّ) بالإحرام والتلبية (فَلا رَفَثَ) أي الجماع ، لأنه يفسد الحج أو الفحش من القول (وَلا فُسُوقَ) أي الخروج من حدود الشرع بالمعصية (وَلا جِدالَ) أي المخاصمة مع الرفقاء ، أي الخلاف بينهم (فِي الْحَجِّ) بأن يقول البعض الحج اليوم والآخر يقول الحج غدا أو بأن يقول حجي أبر من حجك أو الخلاف مخالفة قريش بالوقوف المشعر الحرام سائر العرب ، فانهم كانوا يقفون بعرفة فرفع (٢) الله تلك المخالفة ، وإنما أمر باجتناب ذلك كله في الحج مع أنه واجب الاجتناب في الحج وغيره ، لأنه في الحج أشد استقباحا ، قرئ الأولان بالرفع والتنوين إخبارا بمعنى النهي أي لا ترفثوا ولا تفسقوا ، وبنصبهما بلا تنوين ونصب «جدال» نفيا (٣) ، واستدل على أن المنهي عنه في الآية هو الرفث والفسوق لا الجدال بقوله عليهالسلام : «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» (٤) ، قوله (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) أي من إحسان وطاعة ، حث على الخير عقيب النهي عن الشر ، يعني بأن يستعملوا مكان الرفث الكلام الحسن ومكان الفسوق التقوى ومكان الجدال الوفاق (يَعْلَمْهُ اللهُ) أي يقبله فياجزيكم به ، قوله (وَتَزَوَّدُوا) نزل فيمن كان يحج بلا زاد ويقول أنا متوكل وأنا أحج بيت الله أفلا تطمعونني فيكون كلا على الناس (٥) ، أي تزودوا في سفركم للحج والعمرة ما يفيكم (٦) من السؤال واتقوا الاستطعام من الناس (فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) من سؤال الزاد أو ما يفيكم من السؤال وغيره من الطعام أو اجعلوا التقوى زاد الآخرة ، والطعام زاد الحج (وَاتَّقُونِ) أي خافوا عقابي (يا أُولِي الْأَلْبابِ) [١٩٧] الذين قضيتهم تقوى الله ومن لم يتقه منهم فكأنه لا لب له.
(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨))
ونزل رخصة حين كان المسلمون يتأثمون من التجارة أيام الحج بعد نزول قوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)(٧) على تفسير أن لا يشوبهما شيء من التجارة (٨)(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) أي إثم في موسم الحج (أَنْ تَبْتَغُوا) أي لأن تطلبوا أو في أن تقصدوا (فَضْلاً) أي رزقا وهو الربح في التجارة (مِنْ رَبِّكُمْ) في أيام الحج (فَإِذا أَفَضْتُمْ) أي رجعتم أنفسكم بكثرة من إفاضة الماء وهو صبه بكثرة ، يعني رجعتم (مِنْ عَرَفاتٍ) أي من الموقوف بها (٩)
__________________
(١) أخذه عن الكشاف ، ١ / ١١٨.
(٢) فرفع ، ب د : فرفعه ، م.
(٣) «فلا رفث ولا فسوق ولا جدال» : قرأ المكي والبصريان برفع الثاء والقاف مع التنوين ، ووافقهم أبو جعفر ، وانفرد بتنوين «جدال» مع الرفع ، والباقون بالفتح بلا تنوين في الثلاث. البدور الزاهرة ، ٤٧.
(٤) أخرجه البخاري ، الحج ، ٤ ، والمحصر ، ٩ ، ١٠ ؛ ومسلم ، الحج ، ٤٣٨ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ١ / ٢٥١.
(٥) نقله عن الكشاف ، ١ / ١١٩ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٥٠ (عن ابن عباس) ؛ والبغوي ، ١ / ٢٥٢.
(٦) يفيكم ، م : يقيكم ، ب د.
(٧) البقرة (٢) : ١٩٦.
(٨) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ١٩٣ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٥١ (عن ابن عباس).
(٩) أي من الموقوف بها ، ب د : ـ م.