منه الزوج وعفوه أن يصرف كل الصداق إليها ، وهو قول أبي حنيفة والشافعي آخرا (١) ، وسمي الزيادة على النصف عفوا بطريق المشاكلة ، والأول أظهر ، لأن العفو يطابقه (وَأَنْ تَعْفُوا) فهو (٢)(أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) مبتدأ وخبر وتعليل ، أي ترك بعضهم بعضا حقه أقرب لأجل التقوى ، إذ الأخذ كأنه عوض من غير معوض عنه أو ترك المروة عند ذلك ترك للتقوى ، وفي الآية ندب إلى الإنسانية بينهم ، لأنه تعالى أمر كل واحد منهما بالعفو ، ثم قال تأكيدا لها (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ) أي التفضل والإحسان (بَيْنَكُمْ) باعطاء الرجل (٣) كل المهر لها وترك المرأة نصيبها منه (إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [٢٣٧] أي عالم بأعمالهم فيجازيكم بها ، قيل : تزوج جبير بن مطعم امرأة وطلقها قبل الدخول فأكمل لها الصداق ، وقال : أنا أحق بالعفو (٤).
(حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (٢٣٨))
قوله (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) حث للمؤمنين على محافظة الصلوة واستدامتها بقطع التعلق بحظوظ أنفسهم ، لأنه يفوت القربة بالله أي داوموا على المكتوبات بمواقيتها وحدودها ، إذ لا فريضة بعد التوحيد أعظم من الصلوة وإقامتها بما هو مشروع فيها من الأفعال والأقوال (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) أي المتوسطة بين الصلوات أو الفضلى ، يقال للأوسط أفضل ، وإنما أفردت بالذكر لانفرادها بالفضل ، قيل : هي صلوة الفجر (٥) ، لأنها بين صلوتي الليل وصلوتي النهار ، وقيل : صلوة الظهر (٦) ، لأنها في وسط النهار ، وقيل : صلوة العصر لحديث ورد فيها وهو قوله عليهالسلام يوم الأحزاب «شغلونا عن الصلوة الوسطى صلوة العصر ملأ الله بيوتهم نارا» (٧) ، ولأنها بعد صلوتي النهار وقبل صلوتي الليل (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) [٢٣٨] أي طائعين خاضعين في صلوتكم.
(فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (٢٣٩))
نزل حين كانوا يتكلمون في الصلوة فنهوا عنه (٨)(فَإِنْ خِفْتُمْ) أي إن كان بكم خوف من عدو وغيره (فَرِجالاً) أي فصلوا راجلين ، نصب على الحال (أَوْ رُكْباناً) أي راكبين على دوابكم ، قال الشافعي رحمهالله يصلي : ماشيا وراكبا ومقاتلا حيث كان وجهه سواء مستقبل القبلة أو غير مستقبلها يومئ بالركوع والسجود ، والسجود يكون أخفض من الركوع في الإيماء ، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : لا يصلى ماشيا ولا مقاتلا إذا لم يمكن الوقوف ، وعند الكل لا ينتقص (٩) عدد الركعات (١٠) ، وعن ابن عباس رضي الله عنه : «صلوة الخوف ركعة» (١١)(فَإِذا أَمِنْتُمْ) أي إذا زال خوفكم من العدو وغيره (فَاذْكُرُوا اللهَ) بالصلوة ، أي صلوا لله صلوات الخمس أو اشكروه (١٢) على الأمن (كَما عَلَّمَكُمْ) أي اذكروه ذكرا مثل تعليمه (١٣) إياكم وإحسانه إليكم كيف تصلون الصلوة في حال الأمن وفي حال الخوف (ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) [٢٣٩] أي الذي لم تكونوا عالمين به من الشرائع.
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٤٠))
ثم قال (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ) مبتدأ ، أي يموتون (مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ) أي يتركون (١٤)(أَزْواجاً) أي نساء من بعدهم
__________________
(١) لعل المؤلف اختصره من الكشاف ، ١ / ١٣٩.
(٢) فهو ، م : ـ ب س.
(٣) الرجل ، س : ـ ب م.
(٤) نقله عن الكشاف ، ١ / ١٣٩.
(٥) أخذه المفسر عن السمرقندي ، ١ / ٢١٣
(٦) عن زيد بن ثابت ، انظر السمرقندي ، ١ / ٢١٣.
(٧) لعله اختصره من السمرقندي ، ١ / ٢١٣ ؛ والبغوي ، ١ / ٣٢٩ ـ ٣٣٠.
(٨) عن زيد بن أرقم ، انظر السمرقندي ، ١ / ٢١٤.
(٩) لا ينتقص ، ب م : ينقص ، س.
(١٠) لعله أختصره من البغوي ، ١ / ٣٣٢ ؛ والكشاف ، ١ / ١٣٩.
(١١) انظر البغوي ، ١ / ٣٣٢.
(١٢) اشكروه ، س : اشكروا الله ، م ، اشكروا ، ب.
(١٣) اذكروه ذكرا مثل تعليمه ، م : ذكرا مثل تعليمه ، ب ، اذكروا مثل تعليمه ، س ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ١٤٠.
(١٤) أي ويتركون ، س : أي يتركون ، ب م.