معلقة بالعرش» (١).
(الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٢) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣))
قوله (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ) مبتدأ ، نزل حين رجع أبو سفيان إلى مكة بعد قتال أحد بأصحابه وندم حيث لم يستأصل النبي وأصحابه ، فأرادوا العود مع أصحابه لذلك فسمع النبي عليهالسلام الخبر فأراد أن يخرج له فكره أصحابه الخروج إليهم ، فقال النبي عليهالسلام : «والذي نفسي بيده لأخرجن إليهم وإن لم يخرج معي أحد منكم» ، فمضى رسول الله في طلب أبي سفيان ومعه نحو سبعين رجلا من المسلمين وكان بهم جراحات حتى بلغ حمراء الأسد على ثمانية أميال من المدينة ، فجبن أبو سفيان عن العود إليه (٢) ، فقال تعالى مدحا لمن أطاع النبي عليهالسلام في ذلك الذين أجابوا لأمر الله (وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ) أي الجراحات يوم أحد ، وجملة قوله (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) بطاعتهم الله ورسوله (مِنْهُمْ) للبيان (وَاتَّقَوْا) أي المعاصي في محل الرفع خبر ، مبتدأه (أَجْرٌ عَظِيمٌ) [١٧٢] أي ثواب كثير ، والجملة في محل الرفع خبر (الَّذِينَ اسْتَجابُوا) ، ثم قال أبو سفيان لرجل اسمه نعيم ابن مسعود كان يخرج إلى المدينة للتجارة إذا أتيت محمدا وأصحابه فخوفهم لكيلا يخرجوا بأنا قد جمعنا على العود عليهم ، فلما قدم إلى المدينة أخبرهم بما قال له ، فقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، فنزل مدحا لهم (٣)(الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) أي نعيم ابن مسعود من إطلاق الكل وإرادة البعض ، وقيل : كان ركب من عبد القيس (٤) معه (٥)(إِنَّ النَّاسَ) أي أبا سفيان وأصحابه (قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) أي اجتمعوا ليستأصلوا (فَاخْشَوْهُمْ) أي لا تخرجوا إليهم خوفا (فَزادَهُمْ) أي ذلك القول أو الضمير للمقول الذي هو («إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ» (إِيماناً) أي تصديقا ويقينا وقوة بأن أخلصوا النية على الجهاد (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ) أي كافينا (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [١٧٣] أي الموكول إليه هو فأيقنوا أن الله لا يخذل محمدا ، وذهبوا معه إلى الموعد ، روي : أن أبا سفيان كان واعد النبي عليهالسلام أن يلقاه ببدر الصغري وكانت موسما ، فلما كان العام القابل جبن أبو سفيان عن الذهاب إلى بدر ، ذهب النبي عليهالسلام وأصحابه إليها ومعهم تجارات فكسبوا في تجاراتهم ولم يلقوا عدوا (٦).
(فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (١٧٤))
(فَانْقَلَبُوا) أي انصرفوا من بدر (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ) أي بأجر منه (وَفَضْلٍ) أي وربح من السوق بسلامة (لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) أي قتال يسؤهم من عدوهم (وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ) بجرأتهم وخروجهم في سبيله (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) [١٧٤] أي تفضل عليهم بالتوفيق فيما فعلوا ، وفيه تحسير لمن تخلف (٧) عنهم وإظهار (٨) لخطأ رأيهم ، روي : «أنهم قالوا : هل يكون هذا غزوا فأعطاهم الله ثواب الغزو ورضي عنهم» (٩).
(إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥))
ثم قال (إِنَّما ذلِكُمُ) أي القائل لكم إن الناس قد جمعوا لكم تخويفا ، مبتدأ ، خبره (الشَّيْطانُ) وهو نعيم
__________________
(١) انظر البغوي ، ١ / ٥٧٩. وفي المسند لأحمد بن حنبل «أرواح الشهداء في طائر خضر تعلق من ثمر الجنة ...» ، ٦ / ٣٨٦.
(٢) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣١٦ ـ ٣١٧ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ١١١ ؛ والبغوي ، ١ / ٥٨٤ ـ ٥٨٧ ؛ والكشاف ، ١ / ٢١٣ ـ ٢١٤.
(٣) عن قتادة ، انظر الواحدي ، ١١٢.
(٤) ركب من عبد القيس ، ب م : ـ س.
(٥) لعل المصنف أخذه عن الكشاف ، ١ / ٢١٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ١ / ٥٨٧.
(٦) لعله اختصره من البغوي ، ١ / ٥٨٧ ؛ والكشاف ، ١ / ٢١٤.
(٧) تخلف ، ب س : يتخلف ، م.
(٨) وإظهار ، ب م : ـ س ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ٢١٥.
(٩) نقله عن الكشاف ، ١ / ٢١٥.