التهمة منكم (وَكَفى بِاللهِ) أي اكتفى الله (حَسِيباً) [٦] أي كافيا في الشهادة عليكم في الدفع والقبض ومحاسبا فعليكم بالتصادق وإياكم والتكاذب ، قيل : إذا لم يشهد فادعى عليه صدق مع اليمين عند أبي حنيفة ، ولا يصدق إلا بالبينة عند الشافعي ومالك ، فالإشهاد عندهما لدفع الضمان لا لدفع اليمين لزوال التهمة (١).
(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (٧) وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٨))
قوله (لِلرِّجالِ) أي لذكور أولاد الميت (نَصِيبٌ) أي حظ (مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) من ذوي القرابة للميت (وَلِلنِّساءِ) أي ولجماعة (٢) الإناث التي ورثن منهن (نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ) أي من المال الذي تركوه قل ذلك المال (مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) [٧] أي حظا مقطوعا يوجب تسليمه إليهم ، ونصبه حال من ضمير «قل أو كثر» ، نزل حين مات أوس بن ثابت الأنصاري وترك ثلث بنات وامرأة اسمها كحة ، فقام ابن عمه وأخذ ماله كله بالتوارث ، لأنهم كانوا في الجاهلية لا يورثون النساء وإنما يورثون الرجال ، فجاءت المرأة إلى رسول الله فذكرت (٣) له القصة ، فحكم بها أن للرجال نصيبا وللنساء نصيبا من التركة مجملا (٤).
ثم بين مقدار نصيب كل واحد من الرجال والنساء بآية الوصية.
قوله (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ) أي قسمة الميراث (أُولُوا الْقُرْبى) للميت ممن لا يورث منه (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) أي أعطوهن من المال الذي تركه الميت قبل القسمة ، نزل حثا على إعطاء ذلك على سبيل الندب كما كان المؤمنون يفعلونه قبل نزول الآية ، يعني إذا اجتمعت الورثة وهؤلاء فليرضخ الولي لهم بشيء من المال قبل أن يقسمه (٥) الورثة وليس بفرض وإلا لكان له حد ومقدار كما لغيره من الحقوق (٦)(وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) [٨] أي وعدا حسنا لو كان الورثة صغارا معتذرين إليهم بأن يقول الولي لهم : لو كان لي لأعطيتكم منه ، وإذا أدرك الصغار أمرتهم حتى يعطوكم شيئا ويعرفوا حقكم ، وإذا كانوا كبارا أعطوهم بأنفسهم منه ما شاؤا.
(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٩))
ثم خص الأولياء على الإشفاق بالأيتام بقوله (وَلْيَخْشَ) أي وليخف على ذرية الميت الضياع بالفقر والاحتياج إلى الناس الأولياء (الَّذِينَ) حالهم أنهم (لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ) أي بعد موتهم (ذُرِّيَّةً ضِعافاً) أي أولادا صغارا (خافُوا عَلَيْهِمْ) الفقر والتكفف فليقدروا ذلك ويصوروه حتى لا يجسروا (٧) على خلاف الشفقة على اليتامى الذين في حجورهم ، ويخافوا عليهم خوفهم على ذريتهم (فَلْيَتَّقُوا اللهَ) في أمرهم من حضر الموت بتفريق ماله وتضييع (٨) صغاره بأن يقال : أوص بكذا وكذا وتصدق مالك ، فان الله رازق أولادك حتى يوصي بعامة ماله (وَلْيَقُولُوا) له (قَوْلاً سَدِيداً) [٩] أي صوابا ، وهو أن يأمروه بالتصدق بدون الثلث وبترك الباقي لولده فيفعل الولي بالميت كما يحب أن يفعل به لو كان هو الميت ، وقيل : المراد منهم الذين يجلسون إلى المريض فيقولون له قدم مالك وأوص بكذا وكذا ، وإن ذريتك لا يغنون عنك من الله شيئا ، فأمروا بأن يخشوا ربهم ويخشوا على أولاد المريض كما يخشون على أولادهم ، ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم لو كانوا (٩).
__________________
(١) وهذه الآراء مأخوذة عن الكشاف ، ١ / ٢٣٠.
(٢) أي ولجاعة ، س : أي جماعة ، ب ، أي لجماعة ، م.
(٣) فذكرت ، س : وذكرت ، ب م ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٣٣٤.
(٤) لعل المفسر اختصره من السمرقندي ، ١ / ٣٣٤ ؛ والبغوي ، ٢ / ٢٤ ـ ١٥ ؛ والواحدي ، ١٢٢.
(٥) أن يقسمه ، ب م : أن يقتسم ، س.
(٦) لعل المؤلف أخذه عن الكشاف باختصار ، ١ / ٢٣٠.
(٧) لا يجسروا ، ب م : لا تجسروا ، س.
(٨) تضييع ، ب م : تصنيع ، س.
(٩) نقله عن الكشاف ، ١ / ٢٣١.