(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١٠))
ونزل في شأن آكلي (١) مال اليتيم بغير حق قوله (٢)(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) أي ظالمين أو على وجه الظلم من أولياء السوء وقضاته (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ) من قولهم أكل في بطنه أو في بعض بطنه إذا ملأه ، أي يأكلون ملء بطونهم (ناراً) لأنهم يأكلون ما يجرهم إلى النار فكأنه نار في الحقيقة أو يصير ذلك نارا يوم القيامة ، روي : أنه يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة والدخان يخرج من قبره وأنفه وفيه وأذنيه وعينيه ، فيعرف الناس أنه يأكل مال اليتيم في الدنيا (٣)(وَسَيَصْلَوْنَ) مجهولا ومعلوما (٤) ، أي سيدخلون يوم البعث (سَعِيراً) [١٠] أي نارا مسعرة ، وقيل : مبهمة الوصف من النيران (٥).
(يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١١))
(يُوصِيكُمُ اللهُ) أي يأمركم (فِي أَوْلادِكُمْ) أي في شأنهم من الذكور والإناث بما هو الأصلح عنده ، وهذا إجمال في قسمة المواريث ، وتفصيله ، قوله (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) إذا اجتمع مع (٦) الإناث كما إذا مات الرجل أو المرأة وترك أولادا ذكورا وإناثا ، فلكل ابن سهمان ولكل بنت سهم ، وإن لم يجتمع معهن فالذكر عصبة مفردا يحرز جميع المال وللواحدة منهن النصف منفردة ، وإنما جعل له مثلي حظ الأنثى ، لأن من تزوج البنت قام بها ، وإنما قدم الذكر (٧) ، ولم يقل للأنثيين مثل حظ الذكر تفضيلا له على الأنثى ، لأن (٨) في القول الأول قصدا إلى بيان فضل الذكر ، وفي القول الثاني قصدا إلى بيان نقص الأنثى وما فيه قصد إلى بيان فضله كان أدل على فضله من القصد إلى بيان نقص غيره عنه ، قيل : لما دل هذا الحكم على أن حكم الأنثيين حكم الذكر وهو الثلثان قال (٩)(فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) أي إن كانت المتروكات من الميت جماعة (فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) الميت وإن لم يجر له ذكر ، لأنه تقدم معنى كما إذا ترك الميت بنات ولم يترك ابنا فللبنات ثلثا الميراث إذا كن أكثر من انثيين لا يتجاوزن ذلك لكثرتهن ، فحكم الجماعة حكم الواجب للبنتين بغير تفاوت (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً) بالنصب ، أي إن كانت متروكة الميت بنتا واحدة لا قرينة لها من أبيها الميت (فَلَهَا النِّصْفُ) من الميراث والباقي للعصبة ، وقرئ بالرفع (١٠) على أن «كان» تامة والواو في قوله (وَلِأَبَوَيْهِ) للاستئناف ، وقوله (لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا) بدل بتكرير العامل من (لِأَبَوَيْهِ) ، و (السُّدُسُ) مبتدأ ، خبره (لِأَبَوَيْهِ) ، وفيه إجمال وتفصيل للتأكيد ، وتوسط البدل بينهما لأجل البيان ، لأنه لو لم يكن البدل لتوهم اشتراكهما في السدس ، لكن لكل واحد من أبويه السدس (مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) ذكرا أو أنثى أو ولد الابن كذلك فيكون الأب صاحب فرض إن كان الولد ذكرا ، وصاحب (١١) فرض وتعصيب إن كان أنثى (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أي للميت (وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ) دون غيرهما (فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) بضم الهمزة على الأصل وكسرها (١٢) اتباعا ، أي الثلث لها من جميع الميراث ، فتعين الثلثان للأب والثلث للأم مما ترك إلا أن يكون مع الأبوين زوج أو زوجة فللأم ثلث ما يبقى من التركة بعد فرض أحد الزوجين دون ثلث الكل ،
__________________
(١) آكلي ، ب م : آكل ، س.
(٢) عن مقاتل وابن حيان ، انظر الواحدي ، ١٢٣ ؛ والبغوي ، ٢ / ١٧.
(٣) هذا منقول عن الكشاف ، ١ / ٢٣١.
(٤) «وسيصلون» : قرأ الشامي وشعبة بضم الياء ، والباقون بفتحها ، وغلظ ورش لامه. البدور الزاهرة ، ٧٦.
(٥) أخذ المفسر هذا الرأي عن الكشاف ، ١ / ٢٣١.
(٦) مع ، ب م : من ، س.
(٧) الذكر ، ب م : ـ س.
(٨) لأن ، ب م : ـ س.
(٩) لعله اختصره من الكشاف ، ١ / ٢٣٢.
(١٠) «واحدة» : قرأ المدنيان برفع التاء ، والباقون بنصبها. البدور الزاهرة ، ٧٦.
(١١) وصاحب ، ب م : أو صاحب ، س.
(١٢) «فلأمه» : قرأ الأخوان بكسر الهمزة ، والباقون بضمها. البدور الزاهرة ، ٧٦.