بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة الفاتحة
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١))
سميت بها ، لأن القرآن افتتح بها لكونها أول سورة نزلت بكمالها على أكثر الأقوال ، وهي لم تنزل على من قبل هذه الأمة من الأمم ، وسميت مثاني أيضا ، لأنها نزلت مرتين أو لأنها تثنى في الصلوة ، والصحيح أنها مكية ، نزلت على النبي عليهالسلام بحراء لأجل صلوة علمه جبريل عليهالسلام إياها بشرائطها ليعبد الله تعالى بها.
واختلفوا في البسملة ، منهم من قال : إنها ليست بآية من الفاتحة ولا من غيرها ، وإنما كتبت للفصل والتبرك بالابتداء بها ، وعليه أبو حنيفة رضي الله عنه ومن تابعه ، ولذا لا يجهر بها في الصلوة عندهم ، ومنهم من قال : إنها آية من الفاتحة ومن كل سورة ، وعليه الشافعي رضي الله عنه وأصحابه ، ولذا يجهرون بها في الصلوة الجهرية (١) ، روي عن ابن عباس رضي الله : «من تركها فقد ترك مائة وأربع آية من كتاب الله» (٢).
والباء فيها يتعلق بفعل مقدر بعدها لاهتمام ذكر الله تعالى بالابتداء ردا للكفار عن إرادة الاهتمام بذكر أسماء أصنامهم ، حيث كانوا يقولون : باسم اللات ، باسم العزى ، وأما تقديم الفعل في (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)(٣) فلأن الاهتمام فيه الأمر بالقرآءة.
ومعنى (بِسْمِ اللهِ) بسم الإله الذي تحير الناظرون في عظمته وجلالته ، من أله إذا تحير من الولاهة أو من أله إذا عبد من الألوهة ، والحق أنه ليس بمشتق ، بل اسم غير صفة ، علم للذات القديم المستجمع لجميع الصفات الحميدة ، وإلا لكان كليا تعالى عنه ، ولأنه لو كان صفة لم يبق للصفات موصوف تجري هي عليه وهو مما لا بد منه لفظا أو تقديرا لئلا يلزم الخروج عن استعمال العرب ، ولا يفخم لامه إذا كان ما قبله مكسورا للثقل.
(الرَّحْمنِ) أي الذي يرحم كافة الخلق بايصال الرزق والنفع إليهم في الدنيا ، من الرحمة ، وهي في الأصل التعطف ، واستعملت للأنعام مجازا هنا ، وقال ابن الحاجب : «الرحمن مجاز لا حقيقة له» (٤).
(الرَّحِيمِ) [١] أي الذي يرحم المؤمنين خاصة يوم القيامة بترك عقوبة من يستحقها وإيصال الثواب لهم في الجنة ، وإنما ترك رعابة الترقي من الأدنى إلى الأعلى تعظيما لله تعالى بالوصف الأبلغ وتتميما بالوصف الألطف.
__________________
(١) الجهرية ، س م : ـ ب.
(٢) انظر الزمخشري ، محمود بن عمر بن محمد بن أحمد ، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ، (تحقيق وتعليق : محمد مرسي عامر) ، قاهرة ، ١٣٩٧ ـ ١٩٧٧ ، ١ / ١١ ؛ ولم نعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة.
(٣) العلق (٩٦) ، ١.
(٤) «الحمد لله» : رفع بالابتداء على قول البصريين ، وقال الكسائي : (الحمد) رفع بالضمير الذي في الصفة ، والصفة اللام. جعل اللام بمنزلة الفعل. وقال الفراء : (الحمد) : رفع بالمحمل وهو اللام. جعل اللام بمنزلة الاسم ، لأنها لا تقوم بنفسها. انظر أبو جعفر النحاس ، أحمد بن محمد بن إسماعيل ، إعراب القرآن ، (التحقيق : زهير غازي زاهد) ، بيروت ، ١٤٠٩ ه ـ ١٩٨٨ م ، ١ / ١٦٩. ولم أعثر على رأي ابن حاجب في المصادر التي راجعتها.