الحامد ، وهما المدح للغائب بسبب استحقاقه كل الحمد ، والحكاية عن نفسه ببيان أحواله على وجه التذلل والخضوع بين يدي الغائب بالخطاب إليه مبالغة في استحصال مقصوده منه.
(وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [٥] أي ونخصك بطلب المعونة منك على جميع أمورنا ، وتكرير (إِيَّاكَ) لنفي احتمال ، ونستعين بغيرك ، وقدمت العبادة على الاستعانة ، لأن الوسيلة تقدم على الطلب ، وإنما قرنت بها جمعا بين ما يتقرب به إلى الله وبين ما يطلب للحاجة.
(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦))
قوله (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) [٦] استئناف ، كأنه قيل : كيف أعينكم ، فقالوا : اهدنا ، أي ثبتنا على صراطك الموصل إلى المطلوب ، وهو الطريق الواضح الذي لا عوج فيه ، وهو الإسلام أو القرآن وما فيه من الأدب والأحكام ، وقيل : «أمتنا على الهداية» (١) ، لأنهم كانوا مهتدين.
(صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (٧))
وتبدل من الصراط (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) أي طريق أحبائك الذين اصطفيتهم بالإيمان ومننت عليهم بعبادتك على (٢) الاستقامة والمشاهدة ، وهي العبارة عن الإحسان في الحديث (٣) وهم الأنبياء والأولياء. قرئ في ال «صراط» (٤) بالسين وبالصاد الخالصة وباشمام الصاد الزاي.
(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) مجرور بكونه نعتا ل (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ) أو بدل منه وإنما جاز الوصف به هنا ، لأن المضاف إليه ضد المنعم عليهم ، فلم يبق في (غَيْرِ) إبهام يأبى عن ذلك ، أي صراط غير الذين غضب عليهم باللعنة والخذلان ، فتركوا الإسلام ، وغضب (٥) الله إرادة الانتقام من العصاة والكفار ، وهم اليهود لقوله تعالى (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ)(٦) ، قيل : (عَلَيْهِمْ) بعد (أَنْعَمْتَ) مفعوله ، وبعد (الْمَغْضُوبِ) فاعله. (٧)
(وَلَا الضَّالِّينَ) [٧] أي وصراط غير الذين ضلوا عن طريق الهدى بمتابعة الهوى ، وهم النصارى لقوله تعالى (وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا) (٨)(٩) ، قيل : «لا» فيه بمعنى الغير أو في (غَيْرِ) معنى النفي ، فلذا جاز العطف مع «لا» مع انتفاء شرطه هنا ، وهو أن يكون في المعطوف عليه لا مثلها. (١٠)
قوله (آمين) بالمد والقصر مع التخفيف (١١) ، اسم فعل مبني على الفتح ، لأنه صوت بمعنى استجب (١٢) أو افعل يا رب مرويا عن النبي عليهالسلام (١٣) ، وروي أيضا أنه قال : «لقنني جبريل آمين عند فراغي من قراءة فاتحة الكتاب» وقال : «إنه كالختم على الكتاب» (١٤) ، أي كالطابع على الصحيفة يمنع من اطلاع أحد على ما فيه ،
__________________
(١) قال الكلبي نحوه ، انظر السمرقندي ، ١ / ٨٢.
(٢) علي ، ب م : ـ س.
(٣) انظر البخاري ، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ، جامع الصحيح ، إسطنبول ، ١٩٨١ ، إيمان ، ٣٧ ؛ ومسلم بن الحجاج القرشي ، جامع الصحيح ، (تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي) ، إسطنبول ، ١٩٨١ ، إيمان ، ١ ، ٤.
(٤) «الصراط» و «صراط» : قرأ قنبل ورويس السين فيهما حيث وقعا ، وقرأ خلف عن حمزة بالصاد مشمة صوت الزاي حيث وقعا كذلك ، وقرأ خلاد مثل خلف في الموضع الأول خاصة وهو «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» في هذه السورة. والباقون بالصاد الخالصة في جميع القرآن. انظر البدور الزاهرة ، ١٥.
(٥) وغضب ، س م : فغضب ، ب.
(٦) المائدة (٥) ، ٦٠.
(٧) أخذه المصنف عن الكشاف ، ١ / ١٦.
(٨) «وأضلوا» ، ب : ـ س م.
(٩) المائدة (٥) ، ٧٧.
(١٠) أخذه المؤلف عن البغوي ، ١ / ٣٠ ؛ والكشاف ، ١ / ١٦.
(١١) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ١ / ٨٤ ؛ والبغوي ، ١ / ٣٠.
(١٢) هذا المعنى مأخوذ عن السمرقندي ، ١ / ٨٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ١ / ٣٠.
(١٣) روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما معنى «آمين»؟ قال : «افعل» ، انظر السمرقندي ، ١ / ٨٤ ؛ ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة.
(١٤) انظر الكشاف ، ١ / ١٧ ؛ ولم نعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة.