أنفوا (وَاسْتَكْبَرُوا) عن عباتده تعالى (فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً) أي وجيعا دائما (وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا) أي قريبا يعينهم (وَلا نَصِيراً) [١٧٣] أي مانعا يمنعهم من عذابه ، قيل : التفصيل هنا غير مطابق للمفصل ، لأنه غير مشتمل على الفريقين ، بل على فريق واحد ، والمفصل ينبغي أن يشتملهما معا ، أجيب بأنه قد انطوى ذكر أحدهما لدلالة التفصيل عليه أو هو من قبيل الاكتفاء (١) لدلالة قوله (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ) الآية عليه.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (١٧٤))
ثم قال تعالى خطابا لأهل مكة ترغيبا في الإيمان (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي حجة واضحة عليكم وهو محمد عليهالسلام بالمعجزات التي يعجز عنها البشر (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) [١٧٤] وهو القرآن الذي يصدقه بالبيان الشافي في الحلال والحرام وفي الهدى والضلال.
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (١٧٥))
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ) أي بدينه الحق (وَاعْتَصَمُوا بِهِ) أي تمسكوا بتوحيده (فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ) أي في ثواب مستحق منه (وَفَضْلٍ) أي وفي تفضل (٢) عليه في الآخرة (وَيَهْدِيهِمْ) أي ويرشدهم (إِلَيْهِ) أي (٣) إلى دينه الموصل إلى معرفته في الدنيا حال كونه (صِراطاً مُسْتَقِيماً) [١٧٥] وهو دين الإسلام الذي (٤) لا عوج فيه علما وعملا.
(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٧٦))
قوله (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ) نزل حين جاء النبي عليهالسلام إلى عيادة جابر بن عبد الله في مرض موته فسأله ، فقال : إن لي كلالة من الورثة لمن الميراث منها؟ (٥) فقال تعالى : («قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ» (فِي الْكَلالَةِ) وهي من لا ولد له ولا والد له (إِنِ امْرُؤٌ) «إِنِ») شرط ، و (امْرُؤٌ) مرفوع بفعل يفسره (هَلَكَ) ومحل (لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) رفع صفة (امْرُؤٌ) ، والمراد بال (وَلَدٌ) الابن ، يدل عليه قوله (وَلَهُ أُخْتٌ) من أبيه أو من الأب والأم ، لأن الابن يسقط الأخت والبنت لا تسقطها ، أي إن مات رجل ليس له ابن وله أخت (فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) من المال ، ثم بين ميراث الأخ من أختها بقوله (وَهُوَ يَرِثُها) يجعله (٦) عصبة لها ، أي إن ماتت الأخت ولها أخ فالأخ وارثها (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) أي ابن ، لأن البنت لا تسقط الأخ ويسقطه الابن ، ولم يذكر الوالد ، لأن ذكر الولد يدل عليه ، إذ الأب نظير الابن في الإسقاط ، فاذا ورث الأخ عند انتفاء الولد وهو أقرب فأولى أن يرثها عند انتفاء الوالد وهو أبعد أو وكل حكم انتفاء الوالد إلى بيان السنة وهو قوله عليهالسلام : «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى عصبة ذكر» (٧) ، والأب أولى من الأخ ، ثم لو كان لأحدهما من الأخ والأخت ولد ، فمات أحدهما فالحكم فيه بين على لسان رسوله لا في الآية ، لأنه قال : «إذا مات الأخ وترك ابنة وأختا فللابنة النصف وما بقي للأخت ولو ماتت الأخت وتركت ابنة وأخا فللابنة النصف وما بقي للأخ» (٨) ،
__________________
(١) قد انطوى ذكر أحدهما لدلالة التفصيل عليه أو هو من قبيل الاكتفاء ، م : قد انطوى ذكر أحدهما كما هو طريق الاكتفاء ، ب س.
(٢) أي وفي تفضل ، ب م : أي في تفضل ، س.
(٣) أي ، س : ـ ب م.
(٤) الذي ، ب م : ـ س.
(٥) وهذا منقول عن السمرقندي ، ١ / ٤٠٩ ؛ والبغوي ، ٢ / ١٩٦.
(٦) يجعله ، ب م : يجعل ، س.
(٧) رواه البخاري ، الفرائض ، ٥ ، ٧ ، ٩ ، ١٥ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ١١.
(٨) أخرج نحوه البخاري ، الفرائض ، ٦ ، ٨ ، ١٢. وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٠٩.