سورة المائدة
مدنية إلا قوله (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ)(١) الآية ، نزل بعرفة (٢)
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (١))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قال المفسرون لما ابتدأ الله في سورة النساء بالأمر بتقواه للناس ليوحدوه ويطيعوه مع بيان أنه خلقهم وكثرهم من نفس واحدة رجالا ونساء ، ووصاهم بقسمة المواريث بينهم على المقادير التي فرضها في الوصية وبيان الحدود والأحكام والعدل والظلم ، ثم ختم السورة بقسمة المواريث التي لم يذكرها في الوصية على المقادير المفروضة فيها بين الإخوة (٣) والأخوات ، أكدهم حفظ ذلك كله في هذه السورة بالأمر بالوفاء بعهده المؤكد في دين الله من تحليل حلاله وتحريم حرامه ، وبالعدل بين عباده في القسم وغيره بقوله (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، جمع العقد وهو العهد الموثق ، وهو يشتمل كل واجب ذكر في القرآن من الأمر والنهي والنذور والأيمان التي بين الله وبين عباده أو فيما بينهم وحفظ الأمانة من المال والسر وتمييز الحلال والحرام ، وهو أمر مجمل ، ثم عقب بالتفصيل بقوله (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) أي أحل الله لكم ذبحها وأكلها ، والبهيمة كل حي لا يميز (٤) ، وإنما سمي بها لأنه أبهم عن التمييز أو لعدم النطق ، والأنعام هي الإبل والبقر والغنم ، واختلف في أجنتها في البطن ، أباحها الشافعي إذا ذبحت أمهاتها ، وحرمها أبو حنيفة ، وإضافة البهيمة إلى الأنعام أضافة تبيين كاضافة ثوب خز ، أي بهيمة من الأنعام ، قوله (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) نصب استثناء من (بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) ، أي أحلت لكم هذه الأشياء إلا ما يذكر لكم تحريمه منها بعد (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) نصب على الحال من الضمير في (لَكُمْ) من (أُحِلَّتْ لَكُمْ) أو من الضمير في «عليكم» لكونه من تتمة الكلام الأول ، والعامل (أُحِلَّتْ) على الوجهين ، أي أحلت لكم غير مبيحين الصيد (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) أي والحال أنكم في الإحرام ، وال (حُرُمٌ) جمع حرام وهو المحرم ، والجملة حال من (مُحِلِّي الصَّيْدِ) ، أي أحللنا لكم بعض الأنعام في حال امتناعكم من الصيد وأنتم محرمون لئلا يضيق عليكم (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ) بين عباده (ما يُرِيدُ) [١] من التحليل والتحريم لا اعتراض عليه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢))
قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) نزل نهيا عن تحليل ما حرم (٥) ، وال (شَعائِرَ) جمع شعيرة ، وهي
__________________
(١) المائدة (٥) ، ٣.
(٢) نقله المؤلف عن البغوي ، ٢ / ١٩٨.
(٣) الإخوة ، ب س : الأخت ، م.
(٤) لا يميز ، ب س : لا تميز ، م.
(٥) لعله اختصره من السمرقندي ، ١ / ٤١٣.