يرمي شيئا فأصاب (١) صيدا ، وتخصيص التعمد بالذكر مع أن حكم الخطأ كذلك ، لأنه الأصل والخطأ تابع له (٢) ، ولأن الآية نزلت في المتعمد مع العلم بتحريم الصيد للمحرم ، وسعيد بن جبير لا يوجب الكفارة بقتل الخطأ نظرا لظاهر الآية ، قوله (فَجَزاءٌ) جواب الشرط وهو بالرفع والتنوين مبتدأ (مِثْلُ) رفع غير منون (٣) ، صفة «جزاء» (ما قَتَلَ) في محل الجر مضاف إليه لل (مِثْلُ) ، وفي المعنى مفعوله ، إذ أصله فجزاء يماثل ما قتل ، وخبر المبتدأ محذوف ، أي فعليه جزاء يماثل المقتول من الصيد ، وقرئ «جزاء» بالرفع بلا تنوين وجر (مِثْلُ) إضافة ، ف (مِثْلُ) مقحم بينه وبين (ما قَتَلَ) لأنه لا يجب جزاء مثل المقتول ، قوله (مِنَ النَّعَمِ) في محل النصب حال من مفعول (قَتَلَ) ، أي جزاء كائنا من الإبل والبقر والغنم يماثل الصيد المقتول من حيث الخلقة لا من حيث القيمة ، وهو قول الشافعي ومحمد فان لم يوجد مثله ، أي نظيره من النعم عدل إلى قول أبي حنيفة رضي الله عنه وهو أن يقوم الصيد حيث صيد ثم هو مخير بين أن يشتري بقيمته طعاما فيعطي لكل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا (٤) من غيره وبين أن يهدي من النعم ما قيمته قيمة الصيد إن بلغت ثمن الهدي وإن شاء صام عن طعام كل مسكين يوما فان فضل ما لا يبلغ طعام مسكين صام عنه يوما أو تصدق به ، فاعتبر أبو حنيفة رضي الله عنه قيمة الصيد حيث صيد لا قيمة المثل (يَحْكُمُ بِهِ) أي بالجزاء الذي هو مثل ما قتل من النعم (ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) أي عدلان من المسلمين فينظران إلى أشبه الأشياء إلى المقتول من النعم فيحكمان عند الشافعي ومحمد ، أي ينظران إلى قيمة المقتول إن بلغت ثمن الهدي يحكمان عليه بأن (٥) يشتري به الهدي ، قوله (٦)(هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) نصبه حال ، ما بعده صفته في تقدير الانفصال ، أي هديا بالغا الكعبة ، قيل : يبلغ بالهدي الحرم فينحر فيه (٧) ، فالشافعي قال : يتصدق به في الحرم على مساكينه ، وأبو حنيفة قال : يتصدق حيث شاء (٨) ، قوله (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ) عطف على «جزاء» ، أي أو عليه كفارة ، قرئ برفع «كفارة» بالتنوين ورفع «طعام» عطف بيان (٩) لل «كفارة» وبغير تنوين (١٠) لإضافتها إلى «طعام» بالجر ، أي قاتل الصيد في الإحرام إن شاء يشتري بقيمة الصيد طعاما ويتصدق به في المساكين (أَوْ) عليه (عَدْلُ ذلِكَ) الطعام (صِياماً) نصب على التمييز من ال (عَدْلٍ) ، وهو بمعنى المثل ، وإن شاء قاتل الصيد في الإحرام يصوم مثل طعام كل مسكين يوما ، يعني في مقابلته ، قيل : الخيار في ذلك إلى الجاني عند الشافعي وأبي حنيفة ، وإلى الحكمين عند محمد (١١)(لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ) أي استقر على الجاني الجزاء ليذوق جزاء معصيته كي يمتنع (١٢) عن قتل الصيد في الإحرام (عَفَا) أي تجاوز (اللهُ) عن ما (سَلَفَ) أي عما مضى قبل التحريم أو في الجاهلية (وَمَنْ عادَ) بعد التحريم إلى ما نهي عنه (فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) أي فهو ينتقم من العائد إلى المنهي عنه في الآخرة ، وإنما قدرنا المبتدأ بعد الفاء ، لأن الفاء الجزائية لا تدخل على المضارع ، قيل : لا يحكم على العائد المحرم إلى ما نهي عنه بل يملأ صدره وظهره ضربا وجيعا ، ويقال له اذهب فينتقم الله منك عملا بظاهر الآية وهو المروي عن ابن عباس رضي الله عنه ، والفقهاء يحكمون عليه بالكفارة (١٣) ، لأنه قاتل في المرة الثانية كما هو قاتل في المرة الأولى (وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) [٩٥] من المعاصي بأمره والمستخف لدينه.
__________________
(١) فأصاب ، ب س : وأصاب ، م.
(٢) بالذكر مع أن حكم الخطأ كذلك لأنه الأصل والخطأ تابع له ، م : بالذكر مع شمول الحكم لأنه الأصل والخطأ تابع له ، ب ، بالذكر مع أن حكم الخطأ كذلك لأن الأصل فعل التعمد والخطأ تابع له ، س.
(٣) «فجزاء مثل» : قرأ الكوفيون ويعقوب بتنوين «جراء» ورفع لام «مثل» ، والباقون بحذف التنوين وخفض اللام في «مثل» ، والبدور الزاهرة ، ٩٦.
(٤) صاعا ، ب م : صاع ، س.
(٥) بأن ، م : أن ، ب س.
(٦) قوله ، ب : ـ س م.
(٧) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٤٥٩ ، أو الكشاف ، ٢ / ٤٨.
(٨) انظر الكشاف ، ٢ / ٤٨.
(٩) عطف بيان ، ب : بيان ، س م.
(١٠) «كفارة طعام» : قرأ المدنيان والشامي بحذف تنوين «كفارة» وحفض ميم «طعام» ، والباقون بتنوين «كفارة» ورفع ميم «طعام» ، وأجمعوا علي قراءة «مساكين» هنا بالجمع. البدور الزاهرة ، ٩٦.
(١١) لعل المؤلف اختصره من الكشاف ، ٢ / ٤٨.
(١٢) كي يمتنع ، ب م : أي ليمتنع ، س.
(١٣) اختصره من البغوي ، ٢ / ٣٠٤ ؛ والكشاف ، ٢ / ٤٨.