الحافد والأسباط حفدة يعقوب ، وهم ذراري أبناء يعقوب فانه كان له اثنا عشر ابنا ، فولد كل واحد منهم جماعة فصار أولاد كل واحد منهم سبطا ، وكان فيهم أنبياء أنزل إليهم كتب وهم يعملون بها (١) ، فنسب الإنزال إليهم لذلك كما نسب إلى أمة محمد في قوله («وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا» (وَما أُوتِيَ) أي وبما أعطي (مُوسى وَعِيسى) يعني بالتورية والإنجيل (وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) أي من الآيات والكتب ، يعني آمنا بجميع الأنبياء وبجميع كتبهم (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى ، لأن تصديق الكل واجب على المؤمن بنبي (وَنَحْنُ لَهُ) أي لله (مُسْلِمُونَ) [١٣٦] أي مخلصون بالتوحيد ، والأحد بمعنى الجماعة هنا ، لأنه في سياق النفي يعم القليل والكثير ، ولذلك صح دخول «بين» عليه ، أي لا نفرق بين آحاد الجماعة ، ولو قال لا نفرق بينهم لاستقام المعنى ، لكنه أراد أن يحقق المعنى بوجه أبلغ.
(فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣٧))
ثم قال تعالى للمؤمنين بمحمد والقرآن مخبرا عن حال الخصم لتبكيتهم بقوله (فَإِنْ آمَنُوا) أي اليهود والنصارى (بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) أي بالذي صدقتم وشهدتم به بزيادة «مثل» أو الباء زائدة و «مثل» صفة موصوف محذوف ، أي إيمانا مثل إيمانكم وشهادة مثل شهادتكم (فَقَدِ اهْتَدَوْا) وخلصوا من الضلالة (وَإِنْ تَوَلَّوْا) أي أعرضوا عن الإيمان بمحمد والقرآن وجميع الأنبياء (فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ) أي في خلاف في الدين ومعاندة لأهل الحق وليسوا في شيء من طلب الحق (فَسَيَكْفِيكَهُمُ) أي يكفيك ويدفع عنك يا محمد (اللهُ) شر اليهود والنصارى وقد أنجز وعده بقتل قريظة وسبيهم وبإجلاء النضير وضرب الجزية على الفريقين ، والسين فيه لتحقيق كون ذلك البتة وإن تأخر إلى حين ، لأنها تفيد الوعد من الله ووعده واقع لا محالة ، وبينه بقوله (وَهُوَ السَّمِيعُ) لكلامهم ودعائك (الْعَلِيمُ) [١٣٧] بأحوالهم ومرادك ، فيجازي كلا ما يشاء.
(صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (١٣٨))
قوله (صِبْغَةَ اللهِ) فيه تفصيل دين محمد عليهالسلام على سائر الأديان وهي مصدر مؤكد لقوله (آمَنَّا بِاللهِ) ، فعلة من صبغ كالجلسة من جلس ، وهي الحالة التي يقع عليها الصبغ ، والمعنى تطهير الله ، لأن الإيمان يطهر النفوس فيكون تأكيدا لنفسه ، والأصل فيه أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر اسمه عندهم المعمودية في اليوم السابع كالختان لأولاد المسلمين ويقولون الآن وقد (٢) طهر هذا وصار نصرانيا حقا ، فأمر الله المسلمين بأن يقولوا لهم (قُولُوا آمَنَّا) ، وصبغنا الله بالإيمان صبغة لا مثل صبغتنا التي كانت قبل ، أي طهرنا به تطهيرا لا مثل تطهيرنا ، وهذا على تقدير أن يكون الخطاب بقوله (قُولُوا) للكافرين ، وأما إذا كان الخطاب به للمؤمنين كان صبغة الله من مقولاتهم يعني صبغنا الله بالإيمان ولم يصبغ (٣) صبغتكم (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) أي دينا ، نصب على التمييز ، يعني أي شخص يكون صبغته أحسن من صبغة الله ، فانه يصبغ عباده بالإيمان ويطهرهم من أنجاس الكفر والشرك ، فلا صبغة أحسن من صبغته ، وهذا من باب المشاكلة ، قوله (وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) [١٣٨] أي موحدون بالإخلاص عطف على قوله (آمَنَّا بِاللهِ) فيكون من متعلقات (قُولُوا).
(قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (١٣٩))
قوله (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا) نزل في اليهود الذين يظاهرون المشركين (٤) ، أي قل يا محمد يا أهل الكتاب أتخاصموننا (فِي اللهِ) أي في شأن الله واصطفائه النبي من العرب وتقولون لم خص بالنبوة محمدا من العرب ونحن أحق بها منه (وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) أي الله إلهنا وإلهكم نشترك جميعا في كوننا عباده واصطفائه أحدا للنبوة لا حكم لنا
__________________
(١) اختصره من البغوي ، ١ / ١٦٣ ؛ والكشاف ، ٩٦١.
(٢) وقد ، م : ـ س.
(٣) يصبغ ، ب س : نصبغ ، م.
(٤) عن الزجاج ، انظر السمرقندي ، ١ / ١٦٣.