الملك وحده لا شريك له فيه.
(وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٤٣))
قوله (وَكَذلِكَ) نزل حين قالت اليهود المعاذ قبلتنا قبلة الأنبياء وما تركها محمد إلا حسدا وإنه يعلم أنا على عدل بين الناس فقال معاذ : «نحن على حق وعدل» (١) ، فقال تعالى تصديقا لقوله (وَكَذلِكَ) ، أي مثل ذلك الجعل الصالح لأمر القبلة (جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) أي خيارا عدلا ، يقال لخيار الشيء وسط ، لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والفساد ، و «جعل» صفة ل «أمة» ، لأنه اسم يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع ، قيل : «ما يصلح في موضعه بين فهو مسكن ، وما لم يصلح فهو محرك» (٢) ، ثم علل ذلك بقوله (لِتَكُونُوا شُهَداءَ) أي جعلناكم عدلا للخلائق لتكون شاهدين (عَلَى النَّاسِ) يوم القيامة للنبيين بأنهم قد بلغوهم (وَيَكُونَ الرَّسُولُ) أي محمد عليهالسلام (عَلَيْكُمْ شَهِيداً) مزكيا كالرقيب على وجه الاختصاص يشهد لكم بالتصديق إذا جرحتم في شهادتكم ، روي : أنه يقال للكفار يوم القيامة ألم يأتكم نذير فينكرون ويقولون ما جاءنا من نذير ، فيقول الأنبياء كذبوا قد بلغناهم فيسألهم الله البينة وهو أعلم إقامة للحجة عليهم ، فيؤتي بأمة محمد عليهالسلام فيشهدون للأنبياء بالتبليغ ، فيقول الأمم من أين علموا وهم قد جاؤا بعدنا فتسأل أمة محمد عليهالسلام به ذلك فيقولون إنك أرسلت إليها رسولا وأنزلت إلينا كتابا أخبرتنا فيه بتبليغ (٣) الرسل وأنت صادق ، ثم يؤتي بمحمد على السّلام فيزكي أمته ويشهد بصدقهم (٤) ، قوله (وَما جَعَلْنَا) نزل حين كانت قبلة النبي عليهالسلام بمكة بيت المقدس إلا أنه كان يجعل الكعبة في الصلوة بين نفسه وبين بيت المقدس ، ثم أمر بالصلوة إلى الكعبة فضل قوم بذلك وارتدوا (٥) ، فقال تعالى وما جعلنا (الْقِبْلَةَ) القبلة (الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) الآن ، ف (الَّتِي) صفة موصوف محذوف هو المفعول الثاني لل «جعل» ، يعني ما رددناك منها إلى هذه الجهة وهي (٦) الكعبة (إِلَّا لِنَعْلَمَ) أي لنظهر علمنا في الوجود أو لنميز (مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) أي يوافقه (٧) ويصدقه في تحويل القبلة (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ) أي يرجع (عَلى عَقِبَيْهِ) ناكصا فيرجع عن دين الإسلام ويرتد بعد التحويل ، يعني انما جعل (٨) ذلك ابتلاء لهم في إطاعتهم للرسول وعصيانهم له في تحويل القبلة وإيجابا للحجة عليهم لما سبق في علمه أن تحويل القبلة سبب لهداية قوم وضلالة قوم ، ولقد ارتد كثير من الناس عن الإسلام عند ذلك ، والواو في قولة (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً) للحال و «إن» مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بينها وبين المشددة ، أي والحال أن القبلة المحولة لشاقة عظيمة (إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) أي أرشدهم إلى دين الحق وحفظ قلوبهم عليه وأعزهم باتباع نبيه محمد عليهالسلام في تحويل القبلة وهم التائبون المخلصون من أصحابه ، ثم قال المسلمون يا رسول الله ما صنع الله بصلوة إخواننا الذي صلوا إلى بيت المقدس وماتوا عليها فأنزل الله تعالى (٩)(وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) أي صلوتكم إلى بيت المقدس قبل التحويل ، لأن الصلوة لا تكون إلا بالإيمان ، وبهذا استدل البعض على أن العمل من الإيمان ، وقيل : معناه إيمانكم بالصلوة إلى بيت المقدس (١٠) ، وإنما قال (إِيمانَكُمْ) بالخطاب تغليبا للأحياء الحضور على الأموات ، فالمراد إيمان الأحياء والأموات ، وعلل ذلك بقوله (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ
__________________
(١) نقله عن البغوي ، ١ / ١٦٨.
(٢) عن الجوهري ، انظر القرطبي ، ٢ / ١٥٤.
(٣) بتبليغ ، ب س : تبليغ ، م.
(٤) نقله عن البغوي ، ١ / ١٦٨ ـ ١٦٩.
(٥) عن ابن عباس ، انظر الكشاف ، ١ / ٩٨.
(٦) وهي ، س م : وهو ، ب.
(٧) يوافقه ، س م : يوافق ، ب.
(٨) جعل ، ب م : فعل ، س.
(٩) نقله عن السمرقندي ، ١ / ١٦٤ ؛ والبغوي ، ١ / ١٧٠ ؛ والواحدي ، ٣٦ (عن ابن عباس).
(١٠) أخذه المؤلف عن السمرقندي ، ١ / ١٦٥.