بالياء حال الوصل وبغير ياء (١) ، أي اسعوا في كيدي للإهلاك أنتم وشركاؤكم بالسرعة (فَلا تُنْظِرُونِ) [١٩٥] أي لا تمهلوني بقوله لهم لأنهم خوفوه بآلهتهم.
(إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (١٩٦))
ثم قال تعالى قل (إِنَّ وَلِيِّيَ) أي ناصري وحافظي (اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) أي القرآن على لا ولي لي سواه (وَهُوَ يَتَوَلَّى) أي يتحاكم بالنصرة والحفظ (الصَّالِحِينَ) [١٩٦] أي المؤمنين العاملين بالصلاح.
(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٧))
(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ) أي تعبدونهم (مِنْ دُونِهِ) أي من غير الله (لا يَسْتَطِيعُونَ) أي لا يقدرون (نَصْرَكُمْ) أي حفظكم ومنعكم مما يؤذونكم (وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) [١٩٧] أي يمنعون مما يؤذيهم. قيل : إن الكفار كانوا يلطخون العسل في فم الأصنام وكان الذباب تجتمع عليه فلم تقدر دفعها عن أنفسها (٢).
(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (١٩٨))
ثم قال للنبي عليهالسلام بلفظ الجمع تعظيما دون المفرد لثبوت الواو مع الجازم (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى) أي إن تدعوا (٣) كفار مكة يا محمد إلى دين الإسلام (لا يَسْمَعُوا) أي لا يقبلون ما تدعوهم إليه وهو نفع لهم وتركه ضر لهم ، وقيل : «يجوز أن يكون خطابا للمشركين» (٤) ، أي إن تدعوا أصنامكم إلى مصالحكم لا يستجيبوا لكم ، كرره للمبالغة في التوبيخ ، والأول أوجه بدليل قوله (وَتَراهُمْ) أي وترى يا محمد المشركين (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) بأعينهم (وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) [١٩٨] بقلوبهم ليؤمنوا.
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩))
ثم أمر النبي عليهالسلام بمكارم الأخلاق بقوله (خُذِ الْعَفْوَ) أي المساهلة بالناس في الدين ولا تشق عليهم بالكلفة حتى لا ينفروا ، ومنه قوله عليهالسلام «يسروا ولا تعسروا» (٥) ، وقيل : «معناه خذ ما عفا ، أي ما فضل (٦) من أموال الناس عن قوت العيال» (٧) ، وكان ذلك قبل آية الزكوة ، وقيل : خذ العفو عمن ظلمك (٨)(وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) أي بما يرتضيه العقل والشرع من الخصال كتقوى الله وصلة الرحم وغض البصر وحفظ اللسان عما لا يعني صاحبه (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) [١٩٩] بما يصدر منهم من السوء ، يعني احلم عنهم ولا تغضب عليهم ، وهذا قبل آية السيف ، وقيل : أعرض عن السفهاء إذا سفهوا عليك ولا تقابلهم بالسفاهة (٩) ، قيل : «ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية» (١٠) ، روي أن النبي عليهالسلام سأل عن هذه الآية فقال جبرائيل عليهالسلام له معناها : «أن تعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك» (١١).
(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠))
__________________
(١) «كيدون» : قرأ أبو عمرو وأبو جعفر باثبات الياء وصلا وحذفها وقفا ، وقرأ يعقوب وهشام باثباتها في الحلين ، وقرأ الباقون بحذفها في الحالين. البدور الزاهرة ، ١٢٧.
(٢) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٥٨٩.
(٣) إن تدعوا ، ب م : إن تدع ، س.
(٤) عن الحسن ، انظر البغوي ، ٢ / ٥٨٦.
(٥) أخرجه البخاري ، العلم ، ١١ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ١٥٢.
(٦) أي ما فضل ، م : أي فضل ، ب س.
(٧) عن ابن عباس والسدي والضحاك والكلبي ، انظر البغوي ، ٢ / ٥٨٦ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ١٥٢.
(٨) أخذه المؤلف عن السمرقندي ، ١ / ٥٩٠.
(٩) اختصره من البغوي ، ٢ / ٥٨٦ ؛ والكشاف ، ٢ / ١٥٢.
(١٠) عن جعفر الصادق ، انظر البغوي ، ٢ / ٥٨٦ ؛ والكشاف ، ٢ / ١٥٢
(١١) رواه أحمد بن حنبل ، ٤ / ١٥٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٩٠ ؛ والبغوي ، ٢ / ٥٨٦ ؛ والكشاف ، ٢ / ١٥٢.