نزوله فاستمعوا» (١)(لَهُ) أي للنبي عليهالسلام أو للقرآن (وَأَنْصِتُوا) أي أصغوا لتفهموا معناه وتعملوا به (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [٢٠٤] أي لكي ترحمون في الآخرة ولا تعذبوا ، وقيل : «كانت الصحابة خلف النبي يقرؤن القرآن مع قراءته» (٢) ، وقيل : «كانوا يرفعون الأصوات عند ذكر الجنة والنار» (٣) ، وقيل : «كانوا يتكلمون في الجمعة والإمام يخطب» (٤) ، فنهوا عن ذلك كله ، فالأولى أن يكون الآية عامة إلا أن يرد دليل الخصوص.
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥))
قوله (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) عام في كل ذكر من التهليل والتسبيح والتحميد وقراءة القرآن والدعاء (تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) أي متضرعا بالاستكانة وخائفا من الله (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) أي ومتكلما بكلام في الصدور دون رفع الصوت به ، لأن الإخفاء أدخل في الإخلاص من الجهر (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) أي بكرة وعشية وأراد الدوام ، وإنما قيد الوقتين لفضلهما على غيرهما ، ومعنى «بالغدو» بأوقات الغدو ليطابق الآصال ، جمع أصيل وهو العشي (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) [٢٠٥] أي من الذين يغفلون عن ذكر الله وعن قراءة القرآن وتدبرها ، قال عليهالسلام : «اذكروا الله ذكرا خاملا» ، قالوا : يا رسول الله! وما الذكر الخامل؟ قال : «الذكر الخفي» (٥) ، أي الذي لا يسمعه غيرك ، وقال : «المسر بالقرآن كالمسر بالصدقة والمعلن بالقرآن كالمعلن بالصدقة» (٦).
(إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (٢٠٦))
قوله (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) أي الملائكة (لا يَسْتَكْبِرُونَ) أي لا يتعظمون (عَنْ عِبادَتِهِ) أي عن طاعته ، نزل حين قال أهل مكة : وما الرحمن؟ أنسجد له إذا قيل لهم اسجدوا للرحمن؟ فاستكبروا عن السجود له (٧) فقال تعالى إن الملائكة المكرمين عند الله لا يستنكفون عن السجود له تعالى (وَيُسَبِّحُونَهُ) أي يذكرونه بقولهم سبحان الله (وَلَهُ يَسْجُدُونَ) [٢٠٦] أي يعبدونه بالسجود في الصلوة وغيرها ، لا يشركون به شيئا ، وفيه تعريض لغيرهم من المكلفين ، قال عليهالسلام : «ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفع الله له درجة في الجنة وحط بها عنه خطيئة» (٨).
__________________
(١) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٢ / ١٥٣.
(٢) عن أبي العالية الرياحي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٩١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٥٨٩ (عن ابن مسعود).
(٣) عن الكلبي ، انظر البغوي ، ٢ / ٥٨٩.
(٤) عن مجاهد ، انظر السمرقندي ، ١ / ٥٩١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٥٩٠ (عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد).
(٥) روى أحمد بن حنبل نحوه ، ١ / ١٧٢ ، ١٨٠ ، ١٨٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٩٢.
(٦) أخرجه أحمد بن حنبل ، ٤ / ١٥٨ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٥٩٢.
(٧) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٥٩٢.
(٨) روى البخاري نحوه ، الصلوة ، ٨٧ ، والأذان ، ٣٠ ، البيوع ، ٤٩ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٥٩٢.