سورة الأنفال
كلها مدنية على الأصح
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢))
قوله (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) نزل حين قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم بدر بعد نزول آية السيف تحريضا على البلاء في حرب الجاهلين من المشركين : من أسر أسيرا أو قتل قتيلا فله سلبه أو قال للسرية : ما أصبتم فهو لكم كله أو نصفه أو ربعه ، فتسارع الشبان وثبت الشيوخ والسادات عند الرايات ، فلما فتح الله عليهم غنائم بدر وقع الاختلاف بين المسلمين في قسمتها ، فقال الشبان : نحن المقاتلون ، وقال غيرهم : نحن عند الرايات وكنا ردء لكم وفئة (١) تحازون (٢) إليها إن انهزمتم ، فسألوا رسول الله كيف نقسم (٣) ولمن الحكم في قسمتها أللمهاجرين أو لهما جميعا (٤) ، فقال تعالى يسألك المسلمون عن كيفية قسمة الأنفال ، وهي جمع نفل بمعنى الغنيمة ويطلق على ما ينفله الإمام الغازي أيضا ، وأصله الزيادة ، فعلى تفسير الأنفال بالغنائم يكون السؤال بمعنى الاستخبار عن قسمتها ، وعلى تفسيرها بالزوائد المشروطة عن سهام الغزاة من المغنم يكون السؤال بمعنى طلب المشروط من الغنائم فيكون (عَنِ) زائدة أو بمعنى من ، أي يقولون لك أعطنا من الغنائم ما شرطتنا به.
واختلف العلماء فيه ، الأصح أنه يلزم الإمام الوفاء بما وعد منه ولا يخمسه ، ثم أمر النبي عليهالسلام في جواب ذلك قوله (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) أي حكم الغنائم لله ولرسوله مختصة بهما لا حكم لأحد فيها ، يجعلانها حيث شاء أو قيل : إن الملك لهما فيعطي الرسول منها ما أمره الله بالإعطاء بالمشروط لمن شاء على ما يقتضيه حكمته ولا يستأثر منها لمن شرطه ، لأنه لو فعل ذلك لارتفع التحاب والتصافي من بين المسلمين (٥) ، ثم نسخ هذا بقوله (٦)(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ)(٧) الآية ، ثم قال (فَاتَّقُوا اللهَ) في الاختلاف والتخاصم بسبب حطام الدنيا وكونوا متحدين متحابين (٨) في الله (وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) أي حقيقة وصلكم ، يعني أصلحوا الأحوال التي بينكم من الاجتماع على ما أمركم الله ورسوله والألفة والمحبة ، وسميت الأحوال ذات البين لكونها
__________________
(١) وفئة ، م : أو فئة ، ب س ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ١٥٤.
(٢) تحازون ، م : تخازون ، ب س ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ١٥٤.
(٣) نقسم ، ب س : يقسم ، م.
(٤) أخذه المصنف عن الكشاف ، ٢ / ١٥٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٥٩٣.
(٥) اختصره من الكشاف ، ٢ / ١٥٤.
(٦) قاله مجاهد وعكرمة والسدي ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٤ ؛ والبغوي ، ٢ / ٥٩٥ ؛ وانظر أيضا النحاس ، ١٤٩ ـ ١٥١.
(٧) الأنفال (٨) ، ٤١.
(٨) متحابين ، ب م : المتحابين ، س.