ملابسة للبين ، ومنه ذات الصدور ، أي مضمراتها (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) في أمر الصلح والعدل في الغنيمة (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [١] أي كاملي الإيمان ، وفسر بذلك ، لأنهم كانوا مؤمنين بلا شك في الإيمان ، واللام في قوله (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) إشارة إليهم ، أي إنما كاملو الإيمان (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ) عندهم واقتداره على عقوبتهم (وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) أي خشيت من الله وقبلت عنده بالوجل (وَإِذا تُلِيَتْ) أي قرئت (عَلَيْهِمْ آياتُهُ) بالأمر والنهي في أمر إصلاح ما بينهم وغيره من الوعد والوعيد والقصص والأمثال والناسخ والمنسوخ (زادَتْهُمْ إِيماناً) أي تصديقا ويقينا ، يعني ازدادوا بها طمأنينة نفس بحكم الله ، كيف يشاء من غير اضطراب في التصديق به ، لأن تظاهر الأدلة الدالة على صدق محمد عليهالسلام والقرآن أقوى وأثبت ، وقد حمل على زيادة العمل الخير أيضا مع تصديقهم بالله ، روي : «أن للإيمان سننا وفرائض وشرائع ، فمن استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان» (١)(وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [٢] أي يثقون به في الرزق وغيره لا على ما تكسب أيديهم من الغنائم وغيرها.
(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤))
ثم استأنف (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) مبتدأ ، أي المؤمنون الذين يتمون الصلوة سجودا وركوعا في مواقيتها (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) [٣] أي مما أعطيناهم من الأموال يتصدقون في سبيل الله ، خبره جملة (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) أي أهل هذه الصفة ، هم المصدقون بالله يقينا لا شك في ذلك ، ف «حقا» مصدر مؤكد للجملة التي هي (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ) أو صفة مصدر محذوف ، أي إيمانا حقا (لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي علو منزلة وكرامة وشرف عنده (وَمَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [٤] أي ثواب حسن في الجنة ، قيل : «سأل الحسن رجل أمؤمن أنت؟ فقال الإيمان إيمانان ، فان كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب فأنا بها مؤمن (٢) ، وإن كنت تسألني عن قوله (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) الآية فو الله لا أدري أمنهم أنا أم لا ، فبهذا الجواب تعلق من يستثنى في الإيمان ومن لا يستثنى.
(كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦))
قوله (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ) الكاف فيه مرفوع المحل على أنه خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : حالهم في كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة مثل حالهم في كراهة إخراجك ربك إلى حرب بدر من المدينة ، وهم لا يعلمون أن ذلك خير لهم ، فكرهوا ويجوز أن يكون منصوب المحل على أنه صفة مصدر محذوف ، تقديره : استقرت الأنفال لله وللرسول وثبتت مع كراهتهم ثباتا مثل ثبات إخراج ربك إياك (مِنْ بَيْتِكَ) أي من المدينة (٣) التي هو مهاجرته ومسكنه كبيته المخصوص به إلى حرب بدر إخراجا ملتبسا (بِالْحَقِّ) أي باذن الله وحكمته (٤)(وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) [٥] والواو للحال ، يعني أخرجك ربك منه وهم كارهون ذلك حال كونهم (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ) أي في خروجك للقتال بالحكمة التي اقتضته (٥)(بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) أي ظهر لهم خروجك الحق ، لأنك لا تفعل إلا حقا ، ثم شبه حالهم في الجدال لأجل الخروج الحق في فرط رعبهم مع ما أعلمهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم النصرة والغنيمة بحال من يجر إلى القتل ويساق إلى الموت المتيقن وهو يشاهد أسبابه لا يشك فيها بقوله (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ) أي إلى أسبابه (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) [٦] إليها ، قيل : إنما كره الخروج إلى الحرب بعض المسلمين لا
__________________
(١) عن عمر بن عبد العزيز ، انظر البغوي ، ٢ / ٥٩٦ ؛ والكشاف ، ٢ / ١٥٥.
(٢) فأنا بها مؤمن ، م : ـ ب س ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٥٩٦.
(٣) أي من المدينة ، س م : أي النبيت ، ب.
(٤) أي باذن الله وحكمته ، ب س : ـ م.
(٥) اقتضته ، ب س : تقتضيه ، م.