كلهم ، وجدالهم قولهم يا رسول الله ما كان خروجنا إلا للعير وأنت لم تعلمنا أنك تلقي عدوا بنا ، فنستعد لهم ونتأهب ، وذلك لكراهتهم القتال (١) ، وكان ذلك في السنة الثانية من مقدم رسول الله عليهالسلام المدينة ، وفيها حولت القبلة ووقعت غزوة بدر في شهر رمضان.
(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧))
وقصته أن النبي عليهالسلام أعلمه جبرائيل عليهالسلام أن عير قريش في أربعين رجلا من تجارهم خرجوا من الشام ، فيهم أبو سفيان بن حرب ، فقال النبي عليهالسلام أصحابه : قد أقبلت عير قريش من الشام ، فاخرجوا إليها ، لعل الله أن يفتح عليكم وتتقوا على جهاد عدوكم ، فسروا به ، فبلغ الخبر إلى أبي جهل بمكة أن محمدا وأصحابه اجتمعوا على قصد العير التي أقبلت من الشام ، فاجتمع قريش من مكة مع أبي جهل ليخرجوا إليهم ذابين عنها ، فقالت عاتكة بنت عبد المطلب لأخيها العباس : إني رأيت في المنام كان راكبا نزل من السماء ، فأخذ صخرة من جبل أبي قبيس ، ثم رماها على أهل مكة ، فلم يبق بيت من بيوت مكة إلا أصابه فلقة منها ، فحدث بها العباس لوليد بن عتبة وكان صديقا له فذكر ذلك عتبة لأبي جهل ، فقال أبو جهل : ما يرضى رجالهم أن يتنبؤا حتى تتنبأ نساؤهم ، فخرج أبو جهل بجميع أهل مكة وهم النفير ، فقيل له : إن العير أخذت طريق الساحل ونجت فارجع بالناس إلى مكة ، فقال : لا والله لا يكون ذلك أبدا حتى ننحر الجزور ونشرب الخمور ونقيم الملاهي في بدر ، فيتسامع العرب بخروجنا وبأن محمدا لم يصب العير ، فسار بمن معه إلى بدر ، ونزل جبرائيل فقال يا محمد : إن الله وعدكم إحدى الطائفتين إما العير وإما النفير ، وهم قريش ، فاستشار النبي عليهالسلام أصحابه فقال : إن العير أحب إليكم أم النفير؟ فقالوا : بل العير أحب إلينا من لقاء العدو ، فتغير وجه رسول الله عليهالسلام ، فقال أبو بكر وعمر فأحسنا الكلام ، فقام المقداد فقال : امض بنا يا رسول الله لما أمرك الله فانا معك حيث أحببت ، فسر رسول الله بقوله ودعا له ، ثم قال : أشيروا علي أيها الناس وهو يريد الأنصار وكان متخوفا أن لا يروا نصرته إلا على عدو دهمه بالمدينة ، فقام سعد بن معاذ ، فقال لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ فقال أجل ، فقال : امض بنا يا رسول الله لما أردت ، فو الذي بعثك بالحق ، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، فسر بذلك النبي عليهالسلام ، ثم قال : سيروا على بركة الله وأبشروا ، فان الله قد وعدني العير أو النفير والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم ، فساروا واجتمعوا مع قريش في بدر وهزموهم باذن الله ، فلما فرغ رسول الله من بدر قال له أصحابه : عليك بالعير يا رسول الله ليس دوننا شيء ، فناداه العباس وهو في وثاقه لا يصلح هذا الرأي ، فقال له النبي عليهالسلام : لم قال لأن الله وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك ، فامتنع من ذلك ولما علم ثبوت الكراهة من بعضهم بقوله (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ)(٢).
أخبر عن تحقيق ذلك بقوله (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ) أي واذكروا وقت وعد الله لكم (إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) العير أو النفير (أَنَّها لَكُمْ) أي إحديهما ، والمراد النفير (وَتَوَدُّونَ) أي وتحبون حرصا (أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ) أي طائفة غير صاحبة القوة في الحرب ، والشوكة شدة البأس والسلاح ، والشوكة في النفير لكثرة عددهم وعدتهم ، وإنتفاء الشوكة في العير لقلة فرسانها ، يعني أنكم تمنون (٣) أن العير (تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) أي يظهر الإسلام الذي هو الحق ويعزه بآياته المنزلة عليكم (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) [٧] أي يستأصلهم بالهلاك ففعل كما أراد.
__________________
(١) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٢ / ١٥٦ ـ ١٥٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٦.
(٢) وهذا مأخوذ عن الكشاف ، ٢ / ١٥٦.
(٣) تمنون ، ب م : تتمنون ، س ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٦.