ل (مِنَ) ، وقرئ «الأسرى» جمع أسير ، و «الأسارى» جمع الجمع (١) ، نزل حين وضع النبي عليهالسلام الفداء على كل واحد من الأسرى أربعين أوقية من الذهب ، وكان مع العباس الأسير عشرون أوقية من ذهب ، حمله يوم بدر ليطعم بها المشركين ، فأخذ منه ولم يحسب من فدائه ، فكلم العباس رسول الله عليهالسلام بأن يجعله من فدائه ، فأبى عليه ، وقال حملته لتستعين به علينا فلا أتركه لك ، فوضع عليه فداءه وفداء ابن أخيه عقيل ، فقال العباس : أتترك عمك يتكفف الناس؟ فقال عليهالسلام أين الذهب الذي أعطيته أم الفضل فقلت لها لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا ، فان حدث بي حدث فهو لك ولعبد الله والفضل ، فقال العباس : من أعلمك بهذا يا ابن أخي؟ قال عليهالسلام : الله أخبرني ، فأسلم العباس وأمر ابن أخيه أن يسلم ، وقال والله لم يطلع عليه أحد إلا الله ولقد دفعته إليها في سواد الليل ، فلم يبق لي ريب في أمرك فقال تعالى للنبي عليهالسلام قل للأسارى ، أي للعباس وابن أخيه وغيرهما (٢)(إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً) أي صحة نية وخلوص الإيمان (يُؤْتِكُمْ) أي يعطكم (خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ) أي أفضل منه ، وهو الفداء بأن يضعفه لكم في الدنيا ويثيبكم عليه في الآخرة (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ذنوبكم من الشرك والمعاصي التي كانت في الجاهلية (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [٧٠] بقبول توبتكم وبهدايتكم إلى الإسلام ، ثم قال العباس : «أنجزني الله أحد الوعدين وهو أن الله أعطاه عشرين عبدا ، كل واحد منهم يتجر بعشرين آلاف فأرجو أن ينجز الوعد الثاني ، وهو المغفرة وثواب الجنة» (٣).
(وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١))
قوله (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ) نزل حين منع الأسارى ما ضمنوا من الفداء ومالوا إلى الكفر بعد إسلامهم (٤) ، أي إن عصوا الله وأرادوا نكثه ما بايعوك (فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ) أي قبلك بكفرهم (فَأَمْكَنَ) أي أمكنك الله وأظهرك عليهم فانتقم (مِنْهُمْ) يوم بدر حتى أسرتهم وقتلتهم (وَاللهُ عَلِيمٌ) بخلقه وأعمالهم فيجازيهم بها (حَكِيمٌ) [٧١] بأن يمكنك لتفعل بهم مثل ما فعلته من قبل.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢))
ثم قال في ترغيب الهجرة من دار الكفر إلى دار الأسلام بعد الإيمان وفي إحسان المسلمين إلى المهاجرين باسكانهم ديارهم وإعطاء فضل طعامهم إياهم كما فعل الأنصار بهم (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسوله محمد عليهالسلام (وَهاجَرُوا) من مكة إلى المدينة (وَجاهَدُوا) الكفار (بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي في طاعته ورضاه (٥)(وَالَّذِينَ آوَوْا) أي أنزلوا ديارهم النبي والمهاجرين (وَنَصَرُوا) أي وأعانوهم على عدوهم (أُولئِكَ) أي أهل هذه الصفة (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) في الدين والنصرة والميراث ، وكان الأنصار والمهاجرون يتوارثون الهجرة ، يدل عليه قوله (وَالَّذِينَ آمَنُوا) في مكة (وَلَمْ يُهاجِرُوا) إلى المدينة (ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ) بكسر الواو وفتحها (٦) ، أي من سلطنتهم وإمارتهم (مِنْ شَيْءٍ) في الميراث ، يعني لا توارثوا بينكم (حَتَّى يُهاجِرُوا) إليكم وإن كانوا أقرباءكم ، ثم قال (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ) أي إن طلب المؤمنون الذين لم يهاجروا عن مكة النصر والإعانة (فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) أي فيجيب عليكم إن تنصروهم على عدوهم من المشركين (إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) أي عهد ، يعني أنهم لو قاتلوا قوما بينكم وبينهم ميثاق وحلف فلا تنصروهم على عدوهم ، لأن
__________________
(١) «الأسرى» : قرأ أبو عمرو وأبو جعفر بضم الهمزة وفتح السين وألف بعدها ، والباقون بفتح الهمزة وإسكان السين من غير ألف. البدور الزاهرة ، ١٣٣.
(٢) نقله عن السمرقندي ، ٢ / ٢٧ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٢٠٣ ؛ والبغوي ، ٢ / ٦٥٥.
(٣) انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٧ ـ ٢٨ ؛ والبغوي ، ٢ / ٦٥٥.
(٤) اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٢٨ ؛ والكشاف ، ٢ / ١٧٧.
(٥) ورضاه ، ب م : ورضائه ، س.
(٦) «ولايتهم» : قرأ حمزة بكسر الواو ، والباقون بفتحها. البدور الزاهرة ، ١٣٣.