الميثاق مانع لكم عن القتال ، فأصلحوا بينهم ، ونسخ هذا بآية السيف (١)(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [٧٢] في النصرة وعدمها فيجازيكم به.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣))
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا) بالله ورسوله وأمرهما (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) في الميراث والتواصل فلا توالوهم أنتم ولا تواصلوهم بنسبة القرابة والتوارث (إِلَّا تَفْعَلُوهُ) شرط مجزوم ب «إن» ، أي إن لم تفعلوا ما أمرتكم به من تواصل المسلمين وتولى بعضهم بعضا حتى في الميراث تفضيلا لنسبة الإسلام على نسبة القرابة ، وما نهيتكم عنه من المواصلة بالكفار بقطع العلائق بينكم وبينهم والتباعد عنهم وبقتالهم (تَكُنْ) أي تحدث (فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ) بقوة الكفر (وَفَسادٌ كَبِيرٌ) [٧٣] بضعف الإسلام ، لأن المسلمين إذا لم يصيروا يدا واحدة على أهل الشرك ضعفوا فظهر الشرك وزاد الفساد.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤))
ثم كرر الآية بقوله (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا) أي أنزلوا ووطنوا ديارهم المهاجرين (وَنَصَرُوا) النبي عليهالسلام على عدوه (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) أي هم الكافرون في الإيمان (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) من ذنوبهم (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [٧٤] أي ثواب حسن في الجنة ، إشارة إلى أن بعضهم هاجر قبل الحديبية وبعضهم هاجر بعدها ، وقيل : ليست بتكرير ، لأن الأولى لبيان التواصل بينهم ، والثانية واردة للثناء عليهم مع الوعد الكريم (٢).
(وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥))
ثم قال (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ) أي بعد المهاجرين بالهجرة الأولى (وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ) في دين الله (فَأُولئِكَ مِنْكُمْ) أي على دينكم فلطف تعالى باللاحقين بالهجرة الثانية بأن جعلهم من جملة السابقين في الثواب تفضلا منه ، قوله (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) في الميراث من المهاجرين والأنصار ، نزل نسخا للتوارث بالإسلام والهجرة (٣) ، لأنهم كانوا يتوارثون بالهجرة وبالمواخاة التي أوقعها النبي عليهالسلام بينهم ، ويتوارثون بالإسلام والهجرة معا فلو كان الرجل أسلم ولم يهاجر فلا يرث أخاه ، فنسخه الله بذلك وقال ذلك (فِي كِتابِ اللهِ) أي في اللوح المحفوظ أو في القرآن أو في حكم الله كما قال كتب الله لأغلبن ، أي حكم الله ، والمراد منه ما ذكر في سورة النساء من المواريث وقسمتها (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [٧٥] أي بما فرض من التوارث أولا وآخرا وغير ذلك ، فاعملوا بما أمركم به ولا تعصوه.
__________________
(١) ذكر ابن البارزي (هو هبة الله بن عبد الرحيم بن إبراهيم) أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ» (رقم الآية ، ٧٥ من هذه السورة) ، انظر ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه (تحقيق : الدكتور حاتم صالح الضامن) ، بيروت ، ١٤٠٥ ه ـ ١٨٩٥ م ، ٣٥.
(٢) أخذه عن الكشاف ، ٢ / ١٧٨.
(٣) لعل المؤلف اختصره من البغوي ، ٢ / ٦٥٨ ؛ أو الكشاف ، ٢ / ١٧٨.