سورة التوبة
مدنية إلا (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ)(١) إلى آخر السورة
(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (٢) وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣))
وإنما لم يكتب في أولها بسم الله الرحمن الرحيم ، لأن أصحاب رسول الله عليهالسلام اختلفوا فيها ، فقال بعضهم : إنها والأنفال سورة واحدة (٢) ، وبعضهم قال : هما سورتان (٣) ، فعلى القول الأول تركت التسمية بينهما وعلى القول الثاني تركت بينهما فرجة ، روي عن علي رضي الله عنه : «أنها نزلت في المحاربة والسيف ، ولا أمان في السيف ، والبسملة من الأمان» (٤) ، وقيل سأل ابن عباس عثمان رضي الله عنهما عن ذلك ، فقال عثمان : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا نزل عليه شيء من القرآن يقول : ضعوه في موضع كذا ، فقبض ولم يبين لنا ، فقرنت بين السورتين لتشابه إحديهما بالأخرى في القصة ، وتركت البسملة لعدم الإذن منه عليهالسلام في ذكرها (٥).
قوله (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) نزل حين عاهد النبي عليهالسلام باتفاق المسلمين في المعاهدة باذن الله أولا المشركين من أهل مكة وغيرهم من العرب ، فنكثوا قبل الأجل إلا ناسا منهم ، وهم بنو ضمرة وبنو كنانة ، فنبذ العهد إلى الناكثين ، فأمروا أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر بالأمان ، ثم لا عهد لهم (٦) ، فبراءة خبر مبتدأ محذوف ، أي هذه براءة واصلة من الله ورسوله ، ويجوز أن يكون مبتدأ موصوفا بما بعده ، والخبر «إلى» مع مجرورها ، أي تبرأ وقطع لذمتهما من كل مشرك نقض العهد بالمسلمين حاصل (إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ) أي إلى من كان له عهد بكم أيها المؤمنون (مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [١] ومن ذلك تعلقت البراءة بالله ورسوله ، والمعاهدة بالمسلمين وهذا إخبار لكل طائفة من المسلمين بأن المشركين نقضوا عهودهم قبل الأجل ، وأوجب الله تعالى النبذ إليهم لئلا يغفلوا عنهم بمعنى اعلموا أن الله ورسوله بريئان من العهد الذي عاهدتم به المشركين ، وإنه منبوذ إليهم البتة (٧) ومنسوخ ، وكان نزولها في شوال ، فأمر الله أن يأمرهم بالسياحة في الأرض آمنين من القتال أربعة أشهر لينظروا في كيفية الإسلام ويعلموا حقيته فيؤمنوا بقوله (فَسِيحُوا) أي فقل لهم سيحوا (فِي الْأَرْضِ) أي سيروا فيها بالأمان (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم غير خائفين ، فحرم فيها قتلهم وقتالهم ، فمن كان عهده أربعة أشهر أمره أن يقره إلى أن تمضي هذه المدة ومن كان عهده أكثر منها أن يحطه إلى أربعة أشهر ، ثم لا عهد لهم بعد مضيها ، بل هو حرب وقتال بالسيف والرماح ، ومن لا عهد له فأجله انسلاخ الأشهر الحرم ، فقال مشيرا إلى ذلك (٨)(وَاعْلَمُوا) يا ناكثي العهود (أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) أي غير فائتي الله بأعمالكم
__________________
(١) التوبة (٩) ، ١٢٨.
(٢) وهذا القول منقول عن القرطبي ، ٨ / ٦٢.
(٣) أخذ المفسر هذا الرأي عن القرطبي ، ٨ / ٦٢.
(٤) انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٢.
(٥) نقله المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ٣١ ـ ٣٢ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٣.
(٦) أخذه عن الكشاف ، ٢ / ١٧٩ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٣٢ ؛ والبغوي ، ٣ / ٤ ، ٥.
(٧) البتة ، ب س : يا محمد ، م.
(٨) إلى ذلك ، ب س : إلى ذلك لذلك ، م.